إحداهما: مدرسة الفقهاء، و هي التي أخذ بها فقهاء الحنفية، و هي تنطلق من الفتاوي و المسائل التي تُروى عن الأئمة، فيجمعون منها حشدا كبير، فيجعلون منه قاعدة.
و الثانية: مدرسة المتكلمين، و عليها سار فقهاء المالكية و الشافعية و الحنابلة، و هي تنطلق من أصل القاعدة، فتمثل لها ببعض الفروع، و لا تذكر من الفروع إلا ما كان مثالا للقاعدة فقط، و هذه الطريقة هي التي كثرت التآليف فيها.
و قد حاول بعض المتأخرين الجمع بين الطريقتين ن فألفوا بعض الكتب التي تجمع بين طريقة المتكلمين و طريقة الحنفية.
و تنوعت التآليف في علم أصول الفقه، ما بين مختصر و مبسوط، و نظم و نثر.
و هذه الورقات قد وضع الله عليها القبول، فلاقت شهرة و رواجا، منذ عصر المؤلف إلى وقتنا هذا، و لم يزل الناس يشرحونها و ينظمونها و يدرسونها و يحفظونها لأولادهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
ابتدأ المصنف رحمه الله كتابه بالبسملة اقتداء بالقرآن الكريم، فإن الله افتتحه بالبسملة و بعدها بحمد الله عز و جل.
و المقصود هنا: أبدأ مستعينا ببسم الله الرحمن الرحيم.
هذه ورقات تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه، و ذلك مؤلف من جزأين مفردين، أحدهما: الأصول، و الثاني: الفقه، فالأصل: ما يبنى عليه غيره، و الفرع: ما يُبنى على غيره، و الفقه: هو معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد.
- ورقات: جمع ورقة، و ذلك للقلة، أي: أنها أوراق قليلة. و مع ذلك فهي (تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه) و الفصل: ما اختص من العلم بما يجمعه، و المقصود به: مسائل من أصول الفقه يهتم فيها أساسا، بتعريف المقدمات الكبرى، و الاصطلاحات.
(أصول الفقه، و ذلك مؤلف من جزأين) و المراد بالجزأين: الكلمتان اللتان ألف منهما المركب الإضافي.
(المفردين): أي: ليس واحد منهما مركبا، و ليس المقصود بالإفراد الذي يقابل الجمع.
- تعريف أصول الفقه:
1 – التعريف باعتبار مفرديه:
الأصول: جمع أصل، و هو لغة: ما يبنى عليه غيره، من أساس الدار، و ما ينبت عليه غيره، كأصل الشجرة.
الفرع: ما يٌبنى على غيره.
الفقه: مصدر فَقِهَ، و هو لغة: الفهم، كما قال تعالى: " قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول " أي: ما نفهم كثيرا مما تقول.
اصطلاحا: معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد.
- معرفة: الذي يقوم بنفس الفقيه، ليكون بها فقيها.
- الأحكام: جمع حكم، و هو لغة: الإتقان، يُقال: أحكم الشيء: إذا أتقنه، و منه قوله تعالى: " كتاب أحكمت آياته "، ويُطلق الحكم أيضا على الإمساك، فيُقال: أحكم السفيه إذا أمسكه عن سفهه ورده عنه، و منه قول جرير:
أبني سفينة أحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكمُ أن أغضبا
أبني حنيفة إنني إن أهلك أدع اليمامة لا تواري أرنبا
و الحكم اصطلاحا: هو إثبات أمر لأمر، أو نفيه عنه، إثبات أمر لأمر: كـ: قام زيد، مات زيد، و هذا واجب، و هذا حرام، أو نفيه عنه: لم يقم زيد، و لم يمت زيد، و ليس هذا بواجب، و ليس هذا بحرام.
و ينقسم الحكم باعتبار أصله إلى ثلاثة أقسام: حكم شرعي، و حكم عقلي، و حكم عادي.
فالذي يثبت أمرا لأمر أو ينفي أمرا على أمر، لا يخلوا:
أ - إما أن يكون حكما شرعيا: أي: وحيا منزلا من عند الله عز وجل، وما صدر عنه، يسمى بالأحكام الشرعية.
و الشرع: معناه: البيان و الإظهار، شرع الأمرَ، إذا بينه، و منه شِراع السفينة لظهورها، و يُطلق الشرع على الشرب، فيقال: شرعت الدابة: إذا دخلت في الماء لتشرب، و تُطلق الشريعة: على ماء الغدير أو البركة الذي يُشرب منه.
و الشرع في الاصطلاح: ما أظهره الله من الأحكام لعباده، و هيأه لأن يكون معينا تٌشرب منه المقاصد و التفصيلات.
و الحكم الشرعي: هو خطاب الله المتعلق بفعل المكلفين، من حيث إنه مكلف به.
ب- و إما أن يكون حكما عقليا: قضية (أي: أمر) قابلة للصدق والكذب، لا تتوقف على شرع و لا عن تجربة.
ج – و إما أن يكون حكما عاديا: إثبات أمر لأمر، أو نفيه عنه، بواسطة التكرر، مع صحة التخلف، كإثبات أن عقارا ما داوء لداء ما، ويمكن أن يتخلف، فيمكن أن يشرب المريض الدواء الموضوع لداء معين، و لا يُشفى، و ذلك بقدر الله.
¥