1 - فالوَاجِبُ مَا يُثَاب عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ: هنا عرف الواجب بالخاصة، لا بالفصل، فهو رسم، ثم أيضا عرفه بأمور خفية و هو الثواب و العقاب و هما أمران أخرويان، لأن المصلي قد يصلي و لا يثاب على صلاته، إما لعدم إخلاصه فيها، و إما لسهوه في جميعها، و قد لا يصلي الإنسان و لا يعاقب، لأنه قد يكون غير مكلف، إما لكونه مكرها أو غير ذلك، و الأولى في تعرفيه هو ما تقدم ذكره من أن الواجب: ما طلب الشارع فعله طلبا جازما.
2 - وَالمَندُوبُ مَا يُثَابُ عَلَى فِعلِهِ وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ: و القول فيه كالقول في سابقه من الاعتراض، و الأولى أن يعرف بأنه: ما طلب الشارع فعله طلبا غير جازم.
3 - وَالمبَاحُ مَا لا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ: و هذا ليس بصحيح، إذْ أن المباح إذا فعله الإنسان بقص استحلال ما أحله الله فإنه يُثاب عليه، كما في حديث: " و في بضع أحدكم صدقة ".
4 - والمحظُورُ مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِِهِ وَيُعَاقَبُ عَلى فِعْلِهِ: و المحظور في اللغة: مشتق من الحظيرة، أي: التي جعل الشارع عليه حظيرة، و المقصود به: المحرم، الذي أحاطت به حدود الله، التي لا يجوز تعديها، كما قال تعالى " تلك حدود الله فلا تعتدوها "، و قد قال تعالى: " و ما كان عطاء ربك محظورا " أي: ممنوعا لا يمكن الوصول إليه.
و تعريفه للحرام، تعريف بالرسم، و الأولى تعرفه بأنه: ما طلب الشارع تركه طلبا جازما.
5 - وَالمكرُوهُ مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ وَلا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ: والكلام عليه كالكلام على الحرام، والأولى تعريفه بأنه: هو ما طلب الشارع تركه، طلبا غير جازم، هذا في اصطلاح المتأخرين، أما في اصطلاح المتقديم فيُطلق على المحرمات، كما قال تعالى – بعد أن ذكر المحرمات –: " كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها " أي: حراما، و لكن النبي صلى الله عليه و سلم فرَّق في بعض الأحاديث بين الحرام و المكروه، كقوله: " إن ربكم حرَّم عليكم عقوق الأمهات، و وأد البنات، و منع الوهات، و كره لكم قيل و قال، و كثرة السؤال، و إضاعة المال " متفق عليه، فهذا الحديث يُفهم منه التفريق بين الحرام و المكروه.
- ثم عرف إمام الحرمين بعض الأحكام الوضعية، فقال:
6 - وَالصَّحِيحُ مَا يَتَعلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ وَيُعتَدُّ بِهِ:
- " ينفذ " أي: يترتب اثره عليه.
- " يعتد به " أي: يعتبر قائما شرعا، فيسقط التكليف عن المكلف بالفعل، إذا أداه على ذلك الوجه.
و أما الصحيح في اللغة: فهو السليم من المرض، أو هو الذي ليس به عيب، كما قال الشاعر:
و ليل يقول المرء من ظلماته سواء صَحِيحَاتُ العيون و عُورُها
- و الصحيح يُوصف بها العبادة و العقد، فيُقال: هذه صلاة صحيحة أي: مجزئة، و يُقال: هذا بيع صحيح أو نكاح صحيح، أي: يترتب عليه الأثر.
7 - وَالبَاطِلُ مَا لا يَتعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ وَلا يُعتَدُّ بِهِ: أي: لا يكون الحكم معه نافذا، فلا يسقط الخطاب السابق، كمن صلى بلا طهارة، أو كمن تزوج بخامسة.
والفِقْهُ أَخَصُّ من العِلْمِ.
وَالعِلْمُ مَعرِفَةُ المعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ في الواقع.
وَالجَهْلُ تَصُّورُ الشَّيءِ عَلَى خِلافِ مَا هُوَ بِهِ في الواقع.
وَالعِلْمُ الضَّرُورِي مَا لمْ يَقَعْ عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلالٍ كالعِلْمِ الوَاقِعِ بِإحْدَى الحَوَاسِّ الّتي هِيَ: السَّمْعُ وَالبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالذَّوقُ وَاللَّمْسُ.
وَأمَّا العِلْمُ المُكْتَسَبُ فَهُوَ المَوقُوفُ عَلَى النَّظَرِ والاسْتِدْلالِ.
وَالنَّظَرُ هُوَ الفِكْرُ في حَالِ المَنْظُورِ فِيهِ.
وَالاسْتِدْلالُ طَلَبُ الدَّلِيلِ، وَالدَّلِيلُ: هُوَ المُرْشِدُ إلى المَطْلُوبِ، لأنَّهُ عَلامَةٌ عَلَيْهِ.
والظَّنُّ تَجْويزُ أَمْرَينِ أَحدُهُمَا أَظْهَرُ مِنَ الآخَرِ.
والشَّكُّ تَجويزُ أَمرَينِ لا مَزِيَّةَ لأحَدِهما عَلَى الآخَر.
وَ أُصُول الفِقْهِ طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإجْمَالِ وَكَيْفِيَّةُ الاسْتِدْلالِ بِهَا.
¥