- و إن كان من مساو، فهو: التماس.
- " على سبيل الوجوب "، أي: على سبيل الحتم، ولكن هذا القيد يُستغنى عنه هنا، لأنه يُخرج الأمرَ الذي لا يقتضي الجزم، ويُخرج أيضا: الأمر المطلق الذي لا يُنظر فيه إلى قيد الجزم، ولا إلى قيد عدم الجزم.
- قال: " و الصيغة الدالة عليه: افعل ".
في هذا إثبات أن للأمر صيغةً، و أن صيغته هي لفظ: " افعل "، و لا يُقصد بها هذا الوزن، بل يُقصد بها فعل الأمر مطلقا، سواء كان الفعل ثلاثيا كـ " اكتب "، أو رباعيا كـ " أكرم "، أو خماسيا كـ " انطلق "، أو سداسيا كـ " استخرج ".
- و " افعل " هو صيغة الأمر الأصلية، و مثلها: الفعل المضارع المقرون بلام الأمر.
- قال: " و هي عند الإطلاق و التجرد عن القرينة تحمل عليه ".
- " و هي " أي: صيغة الأمر " افعل ".
- " عند الإطلاق " أي: عدم تقييدها بقيد يصرف عن ذلك.
- " و التجرد عن القرينة " أي: عدم وقوع القرينة الحالية التي تصرف عن ذلك أيضا.
- " تحمل عليه " أي: تحمل على استدعاء الفعل على وجه الوجوب.
فالأمر في الأصل يُحمل على الوجوب، و محل هذا: أمر من هو أعلى.
فائدة: القرينة: ما يقارن الشيء، وهي إما حالية، و إما مقالية، والمراد بها في كلام المصنف هي الحالية، لأن المقالية مذكورة في قوله: " عند الإطلاق ".
- قال: " إلا ما دل الدليل على أن المراد منه: الندب أو الإباحة "، هذا الاستثناء منقطع، لأن ما دل الدليل على أن المراد به الندب أو الإباحة، ليس عند الإطلاق و التجرد عن القرينة.
و المراد: أن الأمر إذا لم يحتفَّ بقرينة حالية أو مقالية، تدل على عدم إرادة الوجوب، فإن محمله على الوجوب، و لكن دلت قرينة حالية أو مقالية على أن المقصود به الندب، فإنه يُصرف إلى الندب، أو دلت قرينة حالية أو مقالية على أن المقصود به الإباحة، يُصرف إلى الإباحة.
- فإطلاقه الأصلي: الوجوب، مثل قوله تعالى: " أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة "، فهذا الأصل فيه أنه للوجوب.
و إذا احتفت قرينة تقتضي عدم الوجوب، عُمل بتلك القرينة.
- مثاله قوله عليه الصلاة و السلام: " صلوا قبل المغرب ركعتين " ثم قال في الثالثة: " لمن شاء "، و قال: " بين كل أذانين صلاة " ثم قال: " لمن شاء ".
- و إذا كان الأمر بعد الحظر، كقوله تعالى: " و إذا حللتم فاصطادوا "، فهذه قرينة تدل على عدم الوجوب، فلا يجب على من تحلل من الحج أو العمرة أن يصطاد، لأن هذا الأمر ورد بعد الحظر في قوله تعالى: " غير محلي الصيد و أنتم حرم ".
و مثله قوله تعالى: " فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله "، فقوله: " فأتوهن " صيغة أمر، و لكنها لا تدل على الوجوب، لأنها جاءت بعد حظر، و هو قوله تعالى: " يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض و لا تقربوهن حتى يطهرن ".
- و القرينة الحالية، كأن يكون سياق الأمر للإرشاد الطبي أو نحوه.
- و الإرشاد قد يُفهم من القرينة المقالية أيضا، مثل قوله صلى الله عليه و سلم: " زوروها فإنها تذكركم الآخرة "، فالأمر هنا ليس للوجوب، لأنه قال: " فإنها تذكركم الآخرة "، فبين العلة، فهي قرينة مقالية تدل على عدم إيراد الوجوب.
قال: " و لا يقتضي التكرار على الصحيح، إلا إن دلَّ الدليل على قصد التكرار ".
أي: أن الأمر في أصل صيغته لا يدل على التكرار، و التكرار: فعل الشيء أكثر من مرة.
فإذا قال الآمر: صل، فلا يقتضي ذلك تكرار الصلاة، بل تكفي في امتثاله صلاةٌ واحدة.
و هذا على الصحيح.
و قوله: " إلا إن دلَّ الدليل على قصد التكرار "، أي: إن دل الدليل على قصد التكرار سواء كان ذلك الدليل مقاليا نحو: " كلما غربت الشمس فصل "، و مثاله قول الله تعالى: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " و الشهر متكرر، أو حاليا.
قال: " و لا يقتضي الفور ".
أي: أن الأمر لا يقتضي الفور، و هذا محل خلاف بين أهل العلم.
- فذهب طائفة من الأصوليين إلى أن الأمر يقتضي الفور، إذا تجرد عن القرائن.
- قالت طائفة: لا يقتضي الفور، بل يبقى مطالبا به، متى ما أداه حصل المقصود.
و المقصود بالفور: المبادرة بأدائه.
¥