تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(أ) القسم الأول: ماورد ابتداء بغير سبب: فهذا لاخلاف في عمومه وشموله لكل مايصلح له، كقوله تعالى (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا ... ) فلفظ (الإنسان) اسم جنس معرف بأل يعم كل إنسان، وكقوله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) الحديث متفق عليه، فلفظ (الناس) اسم جنس معرف بأل يعم جميع الناس. قال الآمدي (وكل عام ورد مبتدأ بطريق الاستقلال، فلا خلاف في عمومه عند القائلين بالعموم) (الإحكام) 2/ 347، وانظر (الموافقات) للشاطبي 1/ 300.

(ب) القسم الثاني: ماورد بسبب: والسبب إما أن يكون واقعة أو سؤالاً. والعام إذا ورد على سبب خاص فله ثلاث حالات:

الأولى: أن يقترن بما يدل على العموم فيعم إجماعاً. كقوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) المائدة 38، لأن سبب نزولها المخزومية التي قطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها، والاتيان بلفظ (السارق) المذكّر يدل على التعميم، وعلى القول بأنها نزلت في الرجل الذي سرق رداء صفوان بن أمية في المسجد فالاتيان بلفظ (السارقة) الأنثى دليل على التعميم أيضا. ومثاله أيضا قوله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) النساء 58، فسبب نزولها أن العباس بن عبدالمطلب أراد أخذ مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة سادن الكعبة، فنزلت الآية فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بِرد المفتاح لعثمان، فذكر الأمانات بصيغة الجمع، قرينة تدل على أنه لم يُرد خصوص السبب ــ وهو مفتاح الكعبة ــ بل يراد به عموم الأمانات. انظر (جمع الجوامع) لتاج الدين السبكي، وحاشيتي المحلى والعطار عليه، جـ 2 صـ 74، وانظر (مذكرة أصول الفقه) للشنقيطي صـ 250.

الحالة الثانية: أن يقترن العام بما يدل على تخصيصه بالسبب، فيخص إجماعا، أي تكون العبرة بخصوص السبب لابعموم اللفظ. انظر (المستصفى) للغزالي 2/ 21، و (الإحكام) للآمدي 2/ 239. وضرب الشنقيطي مثالاً لذلك بقوله تعالى (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها ــ إلى قوله ــ خالصة لك من دون المؤمنين) الأحزاب 50، (مذكرة أصول الفقه) صـ 250.

الحالة الثالثة: ألا يقترن العام بقرينة تدل على التعميم أو التخصيص: وهى محل الخلاف بين العلماء، والحق فيها أن العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب، وهو قول جمهور العلماء كما حكاه أبو عمرو بن الحاجب في (منتهى الوصول والأمل) صـ 79، وحكاه الشوكاني في (ارشاد الفحول) صـ 126. وقال الشوكاني (وهذا المذهب هو الحق الذي لاشك فيه ولا شُبهة، لأن التعبد للعباد إنما هو باللفظ الوارد عن الشارع وهو عام، ووروده على سؤال خاص لايصلح قرينة لقصره على ذلك السبب) أهـ. ويدل على أن العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب أدلة منها:

الدليل الأول: ما رواه البخاري عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قُبلة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزلت عليه (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) ــ هود 114 ــ قال الرجل: ألِيَ هذه؟ قال صلى الله عليه وسلم (لمن عمل بها من أمتي) وفي رواية للبخاري (قال لجميع أمتي كلهم). فهذا نص في محل النزاع على أن العبرة بعموم اللفظ، لأن (الحسنات والسيئات) صيغ عموم، مع أن سبب النزول خاص بِرَجُلٍ معين في ذنب ٍ معين، وعلى هذا انعقد إجماع أهل السنة على أن الحسنات تكفر السيئات بالموازنة.

الدليل الثاني: مارواه البخاري عن عَلِيّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ليلاً وفاطمة بنت رسول صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: ألا تُصَلّون؟، فقال علي: يارسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً). أو كما قال، الحديث 1127 و 7347. وهذه الآية من سورة الكهف (54) مكية نزلت في كفار مكة، وتلاوته صلى الله عليه وسلم لها في هذا الموضع مع علي وزوجه فاطمة رضي الله عنهما يدل على أن العبرة بعموم اللفظ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير