تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(من) جهتين (جهة الوجود والثبات) أي يجب حفظها من جهة وجودها وثباتها بأن يراعى ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها وذلك:

(كالأكل والنكاح والصلاة) فاستعمال المأكولات راجع إلى حفظ النفس والعقل من جهة الوجود والثبات، وكذا استعمال سائر العادات من المشروبات والملبوسات والمسكونات، لأن وجود النفس والعقل وثبوتهما منوط باستعمال العادات، فلا يوجدان ولا يثبتان بدون استعمالهما اهـ. والنكاح وسائر المعاملات راجعة إلى حفظ النسب والمال والعرض من جهة الوجود والثبات، وإلى حفظ النفس والعقل أيضا من جهتهما لكن بواسطة استعمال العادات؛ لأن وجود النسب والمال والعرض وثبوتها منوط بالمعاملة مع الناس بالنكاح والبيع وسائر العقود، فلا يوجد نسب ولا مال ولا عرض، ولا يثبت بعد الوجود إلا بالمعاملة. وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والحج والإيمان وسائر العبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب الوجود والثبات، فلا يوجد الدين ولا يثبت بدون إقامة أصول العبادات وشعائر الإسلام، فوجوده منوط بوجودها.

وأشار إلى الجهة الثانية التي يجب حفظ الضروريات الست منها بقوله:

6ـ وتارةً بالدرء للفسادِ # كالحدِّ والقصاصِ والجهادِ

يعني أن حفظ الضروريات الست يكون تارة بدرء الفساد والاختلال الواقع أو المتوقع عنها، وذلك حفظها من جانب العدم؛ كإقامة الحدّ على من فعل فاحشة، والقصاص من القاتل عمداً عدواناً، وتضمين الدية في الخطأ، وتضمين قيم المتلفات، وجهاد الكفار، وسائر العقوبات الشرعية كلها راجعة إلى حفظ الضروريات الست من جانب العدم:

فإقامة الحد على الزاني واللائط راجعة إلى حفظ النسب من جانب العدم، وإقامة الحدّ على شارب الخمر راجعة إلى حفظ العقل من جانب العدم، وكذا لزوم الدية لمن أفسد عقل إنسان، فإنه راجع أيضاً إلى حفظ العقل من جانب العدم، وجهاد الكفار وقتل المرتدين وعقوبة أهل البدع، هذه الثلاثة راجعة إلى حفظ الدين من جانب العدم، وإقامة الحد على السارق والمحارب وتضمين القيمة لمن أتلف شيئاً وتعزير الغاصب كل هذه راجع إلى حفظ المال من جهة العدم؛ والقصاص في العمد وتضمين الدية في الخطأ راجعان إلى حفظ النفس من جهة العدم؛ وحد القذف راجع إلى حفظ العرض من جهة العدم اهـ.

وأشار إلى القسم الثاني من المقاصد الشرعية وهو الحاجي بقوله:

8ـ وبعدهُ الحاجِيُّ وهْوَ ما افتقَرْ # لهُ المُكلَّفُ بأمرٍ مُعْتبَرْ (وبعده الحاجي) يعني أن المقصد الحاجي بعد المقصد الضروري في الرتبة، وسمي حاجياً لأن الحاجة تدعو إليه؛ وإنما كان بعد الضروري في الرتبة لأن الضرورة لم تلجئ إليه.

وأشار الناظم إلى تفسيره بقوله:

وهْوَ ما افتقَرْ # لهُ المُكلَّفُ بأمرٍ مُعْتبَرْ

9ـ من جهة التوسيعِ فيما ينتهِجْ # أو رفعِ تضييقٍ مُؤدٍّ للحرَجْ

يعني أن الحاجي هو المقصد الشرعي الذي يفتقر له المكلف بأمر معتبر أي افتقاراً معتبَراً من جهة التوسيع عليه فيما ينتهجه أي فيما يسلكهؤمن طرق المعاش، أو من جهة رفع التضييق عنه المؤدي للحرج أي المشقة. فإذا لم يُراعَ دخل على المكلَّفين جملة الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد الكائن في عدم مراعاة المفصد الضروري.

وهو يجري في العبادات أي يكون سبباً لمشروعية بعضها كالرخصة في الفطر لرمضان، والقصر للصلاة للمريض والمسافر، فإن السبب في مشروعيتها مقصد حاجي هو رفع الحرج والمشقة عن المريض والمسافر.

ويجري في العادات أي يكون سبباً لمشروعية بعضها كإباحة الصيد والتمتع بالمُستلذات مما هو حلال مأكلاً ومشرباً وملبساً ومسكناً ومركباً وما أشبه ذلك؛ فإن السبب في مشروعيتها مقصد حاجي هو التوسيع على المكلفين في معاشهم اهـ.

ويجري في المعاملات أيضا أي يكون سبباً لمشروعية بعضها كالقراض والمساقاة والسلم وإلغاء التوابع في العقد على متبوعاتها كثمرة الشجر التي لم يبد صلاحها، ومال العبد وما أشبه ذلك؛ فإن السبب في مشروعية هذه مقصد حاجي هو التوسيع على المكلَّف فيما ينتهجه من طرق معاشه.

ويجري أيضاً في العقوبات أي يكون سبباً لمشروعية بعضها كالحكم باللوث والتدمية والقسامة وضرب الدية على العاقلة وتضمين الصناع، فإن السبب في مشروعيتها مقصد حاجي هو رفع التضييق والحرج عن المجني عليه في الثلاث الأول، وعن الجاني في الرابعة، والمصنوع له في الخامسة.

(يتبع إن شاء الله)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير