ـ[الشاطبي الوهراني]ــــــــ[31 - 03 - 06, 02:24 ص]ـ
(تابع) شرح فصول مقاصد الشرعية والتكليف والحقوق من مرتقى الوصول
10ـ وثالثٌ قِسمُ المُحسِّناتِ # ما كان من مسائلِ العادات
يعني أن القسم الثالث من المقاصد الشرعية هو قسم المحسنات وهو المقصد الشرعي أي المصلحة الشرعية التي في اعتبارها الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات واتباع أحسن المناهج في العبادات والعادات والمعاملات والعقوبات:
ففي العبادات كإزالة النجاسة وستر العورة وأخذ الزينة والتقرب بنوافل الخير من الصدقات والقربات وما أشبه ذلك، فإن السبب في مشروعيتها الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادة، إذ يقبح على الإنسان عادة أن يكون نجساً أو عارياً أو متقشِّفاً أو بخيلاً.
وفي العادات كآداب الأكل والشرب، ومجانبة المآكل النجسات والمشارب المستخبثات، والإسراف والإقتار في المتناولات وما أشبه ذلك؛ فإن السبب في مشروعيتها الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادة.
وفي المعاملات كالمنع من بيع النجاسات وفضل الماء والكلأ، وسلب العبد أهلية الشهادة، وسلب المرأة أهلية الإمامة وإنكاحها نفسها، وندب العتق والكتابة والتدبير، فإن السبب في مشروعية هذه الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادة، إذ يقبح عادة بيع النجاسة وفضل الماء والكلأ وقطع الحقوق بشهادة رقيق والاقتداء به والتحاكم إليه، والاقتداء بامرأة وتفويض أمرها إليها، واسترقاق من يستحق العتق.
وفي العقوبات كمنع قتل الحر بالعبد ومنع قتل النساء والصبيان والرهبان من الكفار في الجهاد، فإن السبب في مشروعية ذلك الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادة إذ يقبح عادة قتل الحر بالعبد وقتل النساء والصبيان والرهبان من العدو.
وقوله في البيت: (من مسائل العادات)، أظنه خطأ من الكاتب، والصواب أن يقول من محاسن العادات. وقوله (ما كان) خبر مبتدأ محذوف.
11ـ وفي الضروريِّ وفي الحاجيِّ # ما هو من تتمَّةِ الأصليِّ
يعني أن لكل من المقصد الضروري والمقصد الحاجي متمما له مبالغاً في حفظه. فقوله (الأصلي) من إقامة الظاهر مقام المضمر، لأنه يعني به المقصد الضروري أو الحاجي المتمم. وقوله (ما) مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله.
12ـ كالحدِّ في شُربِ قليلِ المُسكِرِ # وكاعتبارِ كفْءِ ذات الصِّغَرِ
ثم أشار إلى مثال المتمم للضروري بقوله: (كالحدِّ في شُرب قليل المسكر) أي كثبوت الحد في شرب القليل الذي لا يسكر من جنس المسكر عادة، فشرعت إقامة الحد في شرب القليل تكميلاً للمقصد الضروري الذي هو حفظ العقل لئلا يلحقه تفويت، لأن شرب القليل يدعو إلى شرب الكثير المفسد للعقل.
وكاشتراط التماثل في القصاص فإنه شرع تكميلاً للمقصد الضروري الذي هو حفظ النفس من الهلاك، لأن التماثل لو لم يشترط في القصاص لأدى القصاص من غير المثل إلى القتال المفضي إلى هلاك كثير من النفوس.
وكالمنع من نظر الأجنبية فإنه شرع تكميلاً للمقصد الضروري الذي هو حفظ النسب من الجهل، إذ لو لم يمنع لجرَّ إلى الزنا المفسد للنسب. وكمنع الربا فإنه شرع تكميلاً للمقصد الضروري الذي هو حفظ المال، إذ لو لم يمنع لجرّ إلى أكل أموال الناس بالباطل.
وكإظهار شعائر الإسلام، فإنه شرع تكميلا للمقصد الضروري الذي هو حفظ الدين، إذ لو لم يشرع إظهارها لجرّ ذلك إلى عدم إقامتها، وفي ذلك إضاعة للدين.
وأشار إلى مثال المتمم للحاجي بقوله: (وكاعتبار كفؤ ذات الصغر) أي كاعتبار الكفائة في تزويج الصغيرة، واعتبار مهر المثل فيه أيضاً؛ فإن السبب في مشروعية ما ذكر تكميل المقصد الحاجي الذي هو التوسيع على المكلف بالنكاح، إذ لو لم يعتبر الكفؤ ومهر المثل في نكاح الصغيرة لأدى ذلك إلى سوء العشرة بين الزوجين حتى يفترقا فيبطل المقصد الحاجي بالكلية.
وكالإشهاد وجواز اشتراط الرهن والحميل في البيع فإنه شرع لتكميل المقصد الحاجي الذي هو التوسيع على المكلف بالبيع لما فيه من تثمير المال، فلو لم يشرع ما ذكر لأدى ذلك إلى بطلان حقه بالكلية؛ وهذا بناء على أن البيع من باب الحاجي، والصحيح أنه من باب الضروري.
وكجواز الجمع بين الصلاتين في سفر القصر فإنه شرع لتكميل المقصد الحاجي الذي هو رفع المشقة على المسافر؛ إذ لو لم يشرع لأدى ذلك إلى الدخول في المشقة أيضاً.
¥