تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا أمر مهم إذ كيف يجتهد الفقيه في مسألة اقتصادية وهو لا يدري ما الاقتصاد، وكيف يقسم الفرائض وهو لا يحسن الحساب وقد قال النووي رحمه الله: وهل يشترط أن يعرف من الحساب ما يصحح به المسائل الحسابية الفقهية؟ حكى أبو إسحاق وأبو منصور فيه خلافا لأصحابنا والأصح اشتراطه. ومثل الحساب كل علم يحتاج إلى اجتهاد كالمسائل الطبية وأصول العلاقات الدولية والاقتصاد ونحوها.

وعلى المفتي أن يطرح المسألة على الخبير دون إشعار له بميل نحو قول من الأقوال، وعليه أن يحذر من تقديم الخبير لرأيه مغلفا برأي، كأن يقول الطبيب في تأثير بخاخ الربو على الصوم: إنه كالهواء، ولا يدخل المعدة، ولا يتغذى به الجسم، والناس في حاجة إليه، وإذا لم يسمح لهم فإن حالة المريض تتفاقم ... فكأن هذا الكلام من الطبيب وسيلة ضغط لاستصدار الفتوى بعدم فساد صوم من يستخدم البخاخ، وهو خطأ من مقدم المشورة، والواجب على المفتي أن ينتبه لهذا الزلل.

سادسا: معرفة الواقع:

قد يسأل المفتي عن مسألة من بيئة مجهولة لدى المفتي، ولا يعرف أحوالها وظروفها وأعرافها، فيفتي وهو مستحضر لحاجة المجتمع الذي يعيش فيه، مما يوقع في الزلل، ومن أمثلة ذلك أن يفتي العالم بتحريم لبس الخمار الأبيض للمرأة لأنه تشبه بالرجال، وسبب خطأ هذه الفتوى أنه استحضر حالة بلده ولم ينظر في أعراف البلد الآخر.

ومثال آخر أن يفتي العالم بتحريم خضاب الرجل بالحناء لأنه تشبه بالنساء، مع أنه في كثير من البلاد يستعمل الحناء الجميع من رجال أو نساء بلا تميز، بل ورد في الحديث النبوي الخضاب بالحناء فقد ثبت عن سلمى- خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:" ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا في رأسه إلا قال:"احتجم" ولا وجعا في رجله إلا قال: أخضبها".

وعنها أيضا رضي الله عنها أنها قالت: ما كان يكون برسول الله صلى الله عليه وسلم قرحة ولا نكبة إلا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضع عليها الحناء".وفي رواية: كان لا يصيبه قرحة ولا شوكة إلا وضع عليها الحناء".

وقد يسأل المفتي عن مسألة فيها شر فيفتي بدرئه ومنعه وحسمه، ولا ينتبه للشر المترتب على فتواه والذي ينيف على الشر المدروء، وصدق عمرو بن العاص رضي الله عنه في قوله: ليس العاقل من يعرف الخير من الشر ولكن هو الذي يعرف خير الشرين.

ومسائل السياسة الشرعية تحتاج إلى هذا الأصل كثيرا، ولذا فإن الواجب على المفتي أن يعرف الواقع المحيط بالمستفتي والظروف الزمانية والمكانية، وواقع المستفتي.

وهذا المعنى متقرر لدى أهل العلم، فقد قال الإمام أحمد: لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال:

o أولها: أن يكون له نية فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور.

o الثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينه،

o والثالثة: أن يكون قويا على ما هو فيه،

o الرابعة: الكفاية وإلا مضغه الناس،

o الخامسة: معرفة الناس.

قال ابن عقيل شارحا قوله: "معرفة الناس": فمتى لم يكن الفقيه ملاحظا لأحوال الناس عارفا لهم وضع الفتيا في غير موضعها.

وقال ابن القيم شارحا العبارة نفسها: هذا أصل عظيم يحتاج إليه المفتي والحاكم فإن لم يكن فقيها فيه، فقيها في الأمر والنهي ثم يطبق أحدهما على الآخر وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح، وتصور له الظالم بصورة المظلوم وعكسه، والمحق بصورة المبطل وعكسه، وراج عليه المكر والخداع والاحتيال ... بل ينبغي له أن يكون فقيها في معرفة الناس وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم وأعرافهم، فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال، وذلك كله من دين الله".

وقال شيخ الاسلام: " وبسبب ضعف الفقهاء من العلم الكافي للسياسة العادلة وقع انفصام في المجتمع الاسلامي فصار يقال: الشرع والسياسة، هذا يدعو خصمه إلى الشرع وهذا يدعوه الى السياسة، والسبب تقصير هؤلاء في معرفة السنة".

وقال ابن القيم: ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:

o أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير