تصوير المسألة باختصار: أنه إذا ورد في القرآن أو السنة خطاب بحكم معين واللفظ يقتضي العموم في جميع الأسباب والحالات الداخلة في اللفظ إلا أن الخطاب ورد في سبب وروده أنه لسبب معين فهل يدخل في العام جميع الأسباب وإن لم تكن سبب الورود أويقتصر على السبب فقط؟ هذا هو الخلاف وينبغي أن يعلم أنه ليس المقصود بالسبب هو ذلك الشخص الذي ورد في حقه الخطاب فيكون خاصا به فإن هذا لا يقول به أحد وإنما مراد من قال يخص بالسبب أي بالحالة التي ورد بحقها الخطاب وإن اختلف الأشخاص، أما تخصيصه بشخص واحد فلا يكون إلا بما ورد به التخصيص كأضحية أبي بردة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قبل الصلاة، وقبول شهادة خزيمة بن ثابت 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - عن شاهدين.
وأذكر لذلك مثالين لتتضح مسألة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب:
المثال الأول: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن اطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني " أخرجه البخاري برقم (7137) (13/ 111)
قال الحافظ في الفتح (13/ 112): (كل من يأمر بحق وكان عادلا فهو أمير الشارع لأنه تولى بأمره وبشريعته ويؤيده توحيد الجواب في الأمرين وهو قوله فقد أطاعني أي عمل بما شرعته وكأن الحكمة في تخصيص أميره بالذكر انه المراد وقت الخطاب ولأنه سبب ورود الحديث واما الحكم فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)
المثال الثاني: قوله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}
قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (1/ 100): (فإن قيل: قدر وي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الآية نزلت في اليهود في شأن اليهود حين كتموا ما في كتبهم من صفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قيل له: نزول الآية على سبب غير مانع من اعتبار عمومها في سائر ما انتظمه؛ لأن الحكم عندنا للفظ لا للسبب إ لا أن تقوم الدلالة عندنا على وجوب الاقتصار به على سببه)
تنبيه: ينبغي أن يفرق بين التخصيص بالسبب والتخصيص بالقرائن فالجمهور لا يرون التخصيص بالسبب بل العبرة بعموم اللفظ عندهم أما القرائن فيرون التخصيص بها كالتخصيص بالسياق كقوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} فالمراد به نعيم بن مسعود، وقوله تعالى: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر} فالسياق يدل على أن المراد اهلها وهو قوله {إذ يعدون في السبت}
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[25 - 10 - 06, 04:05 م]ـ
هناك فرق
بين (العمل بعموم النص وتقديمه على خصوص السبب)
وبين (قياس غير المحل المنصوص عليه للاتفاق في العلة أو لظهورها)
ـ[أبو صالح التميمي]ــــــــ[15 - 11 - 06, 06:13 م]ـ
ممن درس المسألة بإسهاب د. خالد المزيني في"المحرر من أسباب النزول".