فلما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم لزم علي بن أبي طالب بيته، فقيل لأبي بكر إنَّ علياً كره إمارتك، فأرسل إليه أبو بكر، فقال له: تكره إمارتي؟ فقال: لا، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم حياً والوحي ينزل، والقرآن يُزاد فيه، فلما قُبض النبي صلى الله عليه وسلم جعلتُ على نفسي أنْ لا أتردَّى بردائي حتى أجمعه للناس، فقال أبو بكر: أحسنت.
قال مُحَمَّد: فطلبت ما أَلَّف فأعياني، ولم أقدر عليه، ولو أصبتُه كان فيه علم كثير أهـ
هكذا رواه مجاعة بن الزبير وفيه ضعف، وقد جاء بإسناد أصح لكن باختصار أخرجه ابن أبي داود في المصاحف 1/ 213.
2 - روى الإمام أحمد 1/ 362، وابن أبي شيبة 6/ 154، وابن سعد في الطبقات 2/ 342، والبخاري في خلق أفعال العباد 87، والنسائي في الكبرى ح7994، 8258، وسعيد بن منصور في السنن 1/ 239، والطحاوي في الآثار1/ 356، وأبو يعلى ح2562، وابن عساكر في التاريخ، والضياء في المختارة 9/ 544 والمستغفري في الفضائل عن أبي ظَبيان عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:
أيتهن القراءة الآخرة، قلنا: قراءتنا؟ قال: لا، ولكن قراءة ابن مسعود، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن عليه في السنة مرتين، فكانت قراءة ابن مسعود الآخرة، شهد ما نُسِخَ وما بُدِّلَ أهـ
فحسبك بهذه الشهادة من حبر الأمة وترجمان القرآن.
3 - قال ابن سيرين: مُحَمَّد هو ابن سيرين قال: نُبئتُ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض عليه القرآن في كل عام مرة حتى كان العام الذي توفي فيه فعرض عليه مرتين، قال: فكأنهم يرون أنَّ العرضة الأخيرة هي قراءة ابن عفان.
قال مُحَمَّد: لولا أني أخاف أن تلبس قراءتي لأحببتُ أنْ أقرأ القراءتين جميعاً قراءة ابن مسعود وقراءة ابن عفان (فضائل المستغفري ح437).
فكيف يقال بعد هذا إن ابن مسعود رضي الله عنه إنما أخر عن جمعه لأنه لم يكن يعرف العرضة الأخيرة، بل ولو لم تكن هذه النصوص وأمثالها متوافرة لما جاز قول ذلك، فإن ابن مسعود منتهى أسانيد قراء كثر قد تواترت قراءاتهم مثل حمزة والكسائي، فإن حمزة بن حبيب على وجه الخصوص تتبع قراءة ابن مسعود حتى إنه لا يكاد يفارقها، والله أعلم.
ـ[احمد بن فارس السلوم]ــــــــ[27 - 04 - 05, 01:05 م]ـ
ثالثا:
الأسباب التي دفعت عثمان رضي الله عنه لتأخير ابن مسعود وتقديم زيد بن ثابت متعددة، منها:
1 - ما أشار إليه الحافظ ابن حجر - ونقله الأخ أعلاه- من غياب ابن مسعود في العراق، بينما زيد من أهل المدينة لم يبرحها
2 - ومنها أن زيدا هو الذي جمعه أيام ابي بكر رضي الله عنه ولم يعترض عليه أحد آنذاك.
3 - قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى (التاريخ 33/ 140):
وإنما شق ذلك على ابن مسعود لأنه عدل عنه مع فضله وسنه وفوض ذلك إلى من هو بمنزلة ابنه، وإنما ولَّى عثمان زيد بن ثابت لحضوره وغيبة عبد الله، ولأنه كان يكتب الوحي لرسول الله، وكتب المصحف في عهد أبي بكر الصديق، وقد روي عن ابن مسعود أنه رضي بذلك وتابع ووافق رأي عثمان في ذلك وراجع أهـ
ثم ساق الآثار الواردة في ذلك فانظرها في الموضع المذكور فقد طال المقال.
والله أعلم.