قلت: قد ظن بعض العلماء ذلك، وليس كما ظن، بل هو جمع بين قربتين، لما فيه من الإعانة على إدراك الركوع، وهو قربة أخرى.
والإعانة على الطاعات والقربات من أفضل الوسائل عند الله عز وجل، ورُتَبُ تلك المعونات عند الله عز وجل على قدر رتب المُعَانِ عليه من القربات. فالإعانة على معرفة الله، ومعرفة ذاته وصفاته أفضل الإعانات، وكذلك الإعانة على معرفة شرعه، وكذلك المعوفة بالفتاوى والتعليم والتفهيم. والإعانة على الفرائض أفضل من الإعانة على النوافل.
وإذا كانت الصلوات أفضل القربات البدنيات، فالإعانة عليها من أفضل الإعانات، فإذا أعان المصلى بماء الطهارة أو ستر العورة أو دلَّه على القبلة، كان مأجورا على ذلك كله.
وليس لأحد أن يقول إن هذا شرك في العبادة بين الخالق والمخلوق، فإن الإعانة على الخير والطاعة لو كانت رياء أوشركا، لكان تبليغ الرسالة وتعليم العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رياء وشركا، وهذا ما لا يقوله أحد؛ لأن الرياء والشرك أن يقصد بإظهار عمله مالا قُربة فيه إلى الله عز وجل من نيل أغراض نفسه الدَّنِيَّة، وهذا قد أعان على القرب إلى الله سبحانه، وأرشد عباده إليه، ولو كان هذا شركاً لكان الأذان وتعليم القرآن شركا.
وقد جاء في الحديث الصحيح أن رجلاً صلى منفرداً فقال عليه الصلاة والسلام من يتجر على هذا، وروي من يتصدق على هذا، فقام رجل فصلى وراءه ليفيد فضيلة الاقتداء، ولم يجعله عليه الصلاة والسلام رياء ولا شركاً، لما فيه من إفادة الجماعة المقربة إلى الله عز وجل.
فإذا أحس الإمام بداخل، وهو راكع، فالمستحب أن ينتظره لينيله فضيلة إدراك الركوع، ولا يكون ذلك شركاً ولا رياء، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل مثله صدقة واتِّجارا، وأمر به في جميع الصلاة، فكيف يكون رياء وشركا وهذا شأنه في الشريعة، ولا وجه لكراهة ذلك. ومن أبطل الصلاة به فقد أبعد غاية الإبعاد. وليت شعري ماذا يقول في الانتظار المشروع في صلاة الخوف، هل كان شركاً ورياء، أو عملاً صالحاً لله عز وجل.
فإن قيل: في الانتظزار في الركوع تفويت لقراءة الفاتحة وتطويل القيام، فكيف يكون إعانة على الطاعة، وهو مُسقطٌ لطاعتين: قراءة الفاتحة، وطول القيام.
فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن ترك بعض العبادة لا ينافي إخلاص باقيها، فإن قاصر الصلاة مطيع لله، مخلص مع تفويته شطر الصلاة.
الوجه الثاني: أنه إذا أدرك الركوع، صار الركوع والسجدتان والقعدة بينهما فرضا، ولن يُتقرب إلى الرب بأفضل مما افترضه على عباده، ولو لم يدرك الركوع لكان ما بعده نوافل منحطة عن فضل الفرض إلى أن ينتصب قائما، أو إلى أن يرفع رأسه من السجود، إن كانه في الركعة الأخيرة.
لكن يشكل على هذا أنه إذا لم يدرك الركوع حصل له السجدتان والقعدة بينهما نافلة، ثم حصل بعد ذلك ركعة مفروضة كاملة بقيامها وقراءتها وركوعها وسجدتيها وقعدتها.
ولا شك أن هذا أكثر عملا، إلا أنه لم يحصل مثله في الركعة الأخيرة، فإنها إذا فاتته، لم تحصل له فضيلة الاقتداء في شيء من أركان صلاته، ولأنه ينفرد في ركعة تامة عن الاقتداء، والاقتداء أهم من تطويل القراءة والقومة، بدليل أن المسبوق يتابع الإمام في الركوع، فلولا أن الاقتداء في الركعة الأخيرة أفضل من القراءة وتطويل القيام لما كان الأمر كذلك.
انتهى كلامه يرحمه الله.
نعود بالله من الغفلة
ذهب الذهن من مسألتكم إلى أخرى
قال رحمه الله تعالى 1/ 259
لا إيثار في القربات. فلا إيثار بماء التيمم، ولا بالصف الأول ولا بستر العورة في الصلاة، لأن الغرض بالعبادات التعظيم والإجلال، فمن آثر به فقد ترك إجلال الإله وتعظيمه، فيصير بمثابة من أمره سيده بأمر فتركه، وقال لغيره: قُم به، فإن هذا مُستقبحٌ عند الناس، لتباعده من إجلال الآمر وقُربه.