وأما أصحاب محمد بن عبد الله بن حسن الذي رواه عن أبي الزناد وتفرد به فليس من أصحاب أبي الزناد المعروفين، المكثرين، وكان مقل الحديث يحب الخلوة ويلزم البادية، ولهذا لم يوجد له عن أبي الزناد إلا حديث واحد عند أصحاب السنن.
فإذا جاء حديث أبي الزناد من رواية محمد بن عبد الله بن حسن دون أن يشاركه أحد من أصحابه الحفاظ المكثرين يستغربه النقاد، لأنه لو حدَّث أبو الزناد ما خفي على أحد من هؤلاء الحفاظ، وهم أولى الناس بمعرفته وروايته عنه، والذي يقدر على السماع منه ما لم يسمعه الآخرون ينبغي أن يكون من الذين يلازمونه ملازمة طويلة، ويكثرون السماع منه وإلا فظاهرةة التفرد مما يؤثر في عدالته، يقول عبد الرحمن بن مهدي: قيل لشعبة: من الذي يترك حديثه؟ قال: الذي إذا روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون فأكثر طرح حديثه.
ومن هنا ندرك في قول النقاد - (تفرد به محمد بن عبد الله بن حسن ‘ن أبي الزناد) _ بعدا علميا، تساهل فيه البعض من المتأخرين حين صححوه إعتبارا لظاهر الإسناد.
ومن المتأخرين من نقل قول البخاري من التاريخ الكبير مفرقا بين شقيه حين قال ((أعل البخاري بأنه لا يدري أسمع محمد بن عبد الله بن حسن من أبي الزناد أمة لا؟)) معقبا عليه بقوله: ((إنه ليس بشيء، إلا عند البخاري، بناءً على أصله المعروف، وهو اشتراط معرفة اللقاء، وليس ذلك بشرط عند جمهورالمحدثين بل يكفي عندهم مجرد إمكان اللقاء مع أمن التدليس كما هو مذكور في كتب المصطلح، وشرحه مسلم في مقدمة صحيحه، وهذا متوفر هنا، فإن محمد بن عبد الله لم يعرف بتدليس، ثم هو قد عاصر أبا الزناد زمانا طويلا، فالحديث صحيح لا ريب فيه
أقول: هذا تعقيب غير علمي، فإن البخاري لم يعلَّ حديثه لكونه لم يثبت عنده السماع له من أبي الزناد فحسب، حتى يعقب عليه بغرابة مذهبه فيه، بل أعله بتفرده مؤيدا لذلك بقوله: ولا أدري أسمع منه أم لا، يعني أن الراوي لم يكن معروفا بين أصحاب أبي الزناد بحيث يبقى مجال التردد في ثبوت سماعه منه قائما، وتفرده عنه بحديث لم يعرفه أصحابه مما يؤخذ عليه، ولهذا أورد الإمام البخاري هذا الحديث في ترجمة محمد بن عبد الله من التاريخ الكبير، وقال ((لا يتابع عليه))، ولا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا
يراجع كتاب:
الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث متعليلها
للشيخ حمزة المليباري وفقه الله
من ص 127 _ ص 134
ـ[مبارك]ــــــــ[30 - 10 - 02, 12:51 ص]ـ
* من قوى رواية شريك بن عبدالله النخعي القاضي نسي الاضطراب
في روايته وهو ـ أي شريك ـ سيء الحفظ، ومع ذلك فقد اضطرب فيها
ـ أي الروايات ـ اضطرابا شديدا، فمرة يروي الحديث عن عاصم بن كليب،
عن أبيه، عن وائل بن حجر، ومرة عن عاصم بن كليب، عن علقمة بن
وائل، عن وائل، ومرة عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن خاله الفلتان
ابن عاصم.
زد على ذلك أنه روى الحديث جماعة من الثقات، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل، فذكروا صفة صلاته صلى اللهعليه وسلم
بأتم مما ذكره شريك، عن عاصم، ومع ذلك فلم يذكروا كيفية السجود
، والنهوض عنه إطلاقاً .. فدل على أن ذكر الكيفية في حديث عاصم
منكر؛ لتفرد شريك به دون الثقات.
* أما القول بأنه جاء بثلاثة أسانيد ومع التصريح بالضعف فإن بمجموعها تحصل القوة. فهذا فيه نظر، لأن طرقها مخلخلة بالضعف
مع الخالفة:
ـ فالطريق الأول مرسل وفيه شقيق أبو الليث وهو مجهول.
ـ والطريق الثاني فيه عبدالجبار بن وائل وقد اتفق الحفاظ على أنه لم يسمع من أبيه شيئا ولم يدركه.
ـ والطريق الثالث فيه ثلاث علل:
ـ ضعف محمد بن حجر
ـ ضعف سعيد بن عبدالجبار
ـ عدم معرفة حال أم عبدالجبار
* وسنة الخلفاء الراشدين حجة ولو لم يوافقهم سائر الصحابة. وسنتهم هي مايمضونه من أحكام في خلافتهم لم يعارضها نص صحيح غاب عنهم. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم النزول على اليدين من قوله وفعله كما تقدم في بحث أبي محمد جزاه الله خير الجزاء.
وقد جاء عن علقمة والأسود فقالا: حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه كما يخر البعير وضع ركبتيه قبل يديه.
وقد علق الشيخ المفضال أبي إسحاق الحويني على هذا الأثر فقال:
" إن العاقل لو تأمل الأثر الوارد عن عمر رضي الله عنه لوجد أنه حجة لمن يقول بوضع اليدين وذلك أنه قرر أن عمر كان يخر كما يخر البعير
، ثم وضح الكيفية، فقال: (يضع ركبتيه قبل يديه) ونحن مأمورون أن نخالف البعير فوجب وضع اليدين قبل الركبتين، وهذا بين لايخفى على
المنصف إن شاء الله تعالى ". (نهي الصحبة ص/ 17)
ومن قبله علق شيخنا الإمام الألباني على هذا الأثر فقال وما أجمل مقال:
" وفي هذا الأثر تنبيه هام، وهو أن البعير يبرك على ركبتيه، يعني اللتين في مقدمتيه، وإذا كان كذلك لزم أن لا يبرك المصلي على
ركبتيه كما يبرك البعير؛ لما ثبت في أحاديث كثيرة من النهي عن بروك كبروك الجمل، وجاء في بعضها توضيح ذلك من حديث أبي هريرة مرفوعا
بلفظ: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) رواه أبو داود بسند جيد. وفي رواية عن أبي هريرة بلفظ: (كان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد بدأ بوضع يديه قبل ركبتيه).
(الضعيفة 2/ 331).
* الكلام حول محمد بن الحسن مدفوع من وجوه:
ـ أولها: قال الحافظ في ترجمته كما في " تهذيب التهذيب "
(9/ 252):
" روى عن أبيه، وأبي الزناد، ونافع مولى ابن عمر، وروى عنه
عبدالعزيز بن محمد الدراوردي، وعبدالله بن نافع الصائغ، وعبدالله بن جعفر المخرمي، وزيد بن الحسن الأنماطي ".
قلت: بعد رواية من ذكرهم الحافظ عنه إرتفعت جهالة العين.
ـ وثانيها: قال الحافظ في " التهذيب":
" وقال النسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات " قلت: ووثقه
أبو الحسن المعروف بابن القطان في كتابه " أحكام النظر " (ص/77)،
وقال الحافظ: ثقة.
أقول: بعد هذا التوثيق ويضم إليهم من صحح حديثه باعتبار أن التصحيح يستلزم التوثيق كما هو ظاهر، إرتفعت جهالة حاله ويكون ثقة يحتج بروايته ولا يجوز تركها. والله المستعان ولارب سواه.
¥