عنه أنه قال لأبي بكر: " إن كنت إنما اشتريتني لنفسك فأمسكني،وإن
كنت إنما اشتريتني لله فدعني وعمل الله " (1).
وقد قال علي بن المديني في (العلل): " روى عن بلال ولم يلقه "
(2).
فلما أراد العلائي الدفاع عن ذلك قال: " في هذا القول نظر،فإن قيسا لم يكن مدلسا، وقد ورد المدينه عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم،والصحابة بها مجتمعون؛ فإذا روى عن أحد الظاهر سماعه عنه " (3).
وبنحو ذلك دافع خالد الدريس عن الحديث في صحيح البخاري، مضيفا
أنه حديثٌ موقوفٌ وفي باب المناقب. (4).
وبذلك نرجع أن البخاري اكتفى في إخراجه لهذا الحديث بشرط مسلم.
المثال الرابع: حديثا عبدالله بن بريدة عن أبيه، وسبق ذكرهما وبيان أن البخاري مع عدم وقوفه على تصريح عبدالله بالسماع من أبيه،
إلا أنه أخرج له عنه حديثين في صحيحه (5)!!
وهناك مجموعةٌ من الأسانيد نُفي سماعُ رواتها من بعضهم وهي في صحيح البخاري، والنفاة للسماع بعض كبار الأئمة:
منهم: أبوداود (6)، وأبوحاتم الرازي (7)، والإسماعيلي (8)، والدارقطني (9)،والعقيلي (10)، وابن مردويه (11)،وأبو مسعود الدمشقي (12)، وابن عبدالبر، والخطيب (13)، والحازمي (14).
فهولاء العلماء وفيهم بعض أعرف الناس بصحيح البخاري: كالإسماعيلي، والدارقطني، وأبي مسعود الدمشقي لوكان متقررا عندهم أن الخاري يشترط العلم بالسماع، لما تجرؤا على انتقاد بعض أحاديث السماع مع قرائن السماع التي لاحت لهم؛ لأنهم (أولا): أعرف
الناس بمكانة الإمام البخاري وعظيم اطلاعه على السنة وأسانيدها وأحوال رواتها وأخبارهم؛ ولأنهم (ثانيا): أدرى الناس بالأدب العلمي
القائل: من علم حجة على من لم يعلم، وأن عدم العلم يدل على العدم.
لذلك فإني أعود لأقول: لوكان متقررا عند أولئك العلماء أن البخاري يشترط العلم باللقاء، لما نازعوه علمه، لمجرد عدم علمهم!!
ثم ألا ترى كيف اعتقد بعض المتأخرين (الذين تحلوا بذلك الأدب العلمي السابق ذكره) أن أولئك العلماء المتقدمين لم يتحلوا بذلك الأدب
!!! ولذلك تجدهم دائبين على الإجابة عن كل اعتراض بنفي السماع صادر من أحد أولئك المتقدمين، بنحو قولهم: البخاري مُْثْبِت، وهم نافون
، والمثبت مقدم على النافي، لأنه معه زيادة علم، ومن علم حجة على
من لم يعلم.
فهل كان أولئك العلماء المتقدمون غافلين عن هذا الأدب حقا؟! أم
أنهم عندما نفوا السماع لم يروا في شرط البخاري مايناقض التزامهم به؟! ولذلك أباحوا لأنفسهم الانتقاد والاعتراض!!
الحق أن أولئك العلماء الذين انتقدوا واعترضوا على البخاري هم
أهلٌ للتحلي بكل أدب، ومحلٌ في كل خير (رحمة الله عليهم).
فكم لابن عدي من موقف يعلن فيه أنه مقلد فيه البخاري (15)!!
وكم لأبي القاسم البغوي من ترجمة اتبع فيها البخاري، دون أن يقف
على الدليل فيما ادّعاه البخاري من صحبة لإحدى التراجم (16).
كل ذلك مراعاة منهم لأدب: (من كان عنده زيادة علم حجة على
من لم يكن لديه تلك الزيادة).
فمابالهم عارضوا البخاري في إثبات السماع؟!
هذا يشهد ـ كما سبق ـ على أنهم لما عارضوه لم يفعلوا ذلك وهم
يعتبرونه يشترط العلم بالسماع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
(1) صحيح البخاري (رقم 3755).
(2) العلل لابن المديني (50).
(3) جامع التحصيل (257 رقم 640).
(4) موقف الإمامين لخالد الدريس (140 ـ 150).
(5) انظر ماسبق (69 ـ 70) ـ أي في كتاب " إجماع المحدثين ".
(6) تحفة التحصيل (رقم 1186).
(7) جامع التحصيل (رقم 200، 524).
(8) التهذيب (3/ 120)، وفتح الباري (رقم 2072، 2128).
(9) التتبع للدارقطني (رقم 29، 30، 88، 89، 90، 91).
(10) تحفة التحصيل ـ الحاشية ـ (رقم 790).
(11) جامع التحصيل (رقم 8).
(12) فتح الباري (رقم 2877، 2878) (6/ 90 ـ 91).
(13) هدي الساري (392)، وتحفة التحصيل (رقم 790).
(14) الاعتبار للحازمي (رقم 473)، وانظر دفاع الحافظ في الفتح
(12/ 121).
(15) الكامل لابن عدي (4/ 204، 232، 306) (5/ 63، 70).
(16) معجم الصحابة للبغوي (3/ 304 ـ 307، 315، 437) (5/ 44).
ـــــــــــــــــ يتبع ـــــــــــــــــــ
ـ[مبارك]ــــــــ[08 - 11 - 02, 05:01 ص]ـ
¥