تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أظن أنه محل نزاع.

فإن كانت " لا أعرف لفلان سماعا من فلان " تُساوي " لم يسمع

فلان من فلان "، وأنها تعني ترجيح عدم السماع لقيام القرائن الدالة على عدمه = فبيّنوا لي وجه الاستدلال بنفي العلم بالسماع على أنه

دليل اشتراط العلم به؟! بيّنوا لي ذلك، فإني لا أرى له وجها!!

وارجو أن لا يتجاوز القارىء المدقِّق هذه المسألة حتى يجيب، وإلا فلا

داعي لأن يُتِمَّ؛ لأنه حينها لا يريد أن يتمَّ القراءة بفهم!!!

وأزيد مقصودي توضيحا فأقول: إن الاستدلال بعبارات نفي العلم بالسماع على أن قائلها يشترط العلم بالسماع إنما يصحّ ويتوجه إذا ما

كانت هذه العبارات خبرا مجردا عن عدم العلم باللقاء؛ لأن عدم العلم

باللقاء وحده هو سبب الإعلال وعدم القبول.

ولذلك كان لازم هذا المذهب، وهو نصُّ قائله أيضا، ومن تابعه (كابن

القطان الفاسي) [1] = أن الحديث المعنعن الذي لم يُعلم لقاء رواته

ببعضهم أنه لا يقال عنه منقطع، وإنما يُكتفى بالتوقف عن الحكم له بالاتصال.

وهذا موقف صريحٌ أن " لا أعلم لفلان سماعا من فلان " عند أصحاب

هذا المذهب لاتعني ترجيح الانقطاع على الاتصال، وإنما هي خبرٌ مجردٌ

عن عدم العلم باللقاء، الذي هو علّةٌ كافيةٌ وحدها للتوقف عن الحكم بالاتصال.

ولا شك أن هذا هو لازم مذهبهم، والذي التزموه فعلا.

وهذا الفهم لعبارات نفي العلم بالسماع ومابني عليه من الاستدلال

فهمٌ غريبٌ جدا، وفهمٌ بعيدٌ كل البعد، ويتعارض مع تطبيقات العلماء قديما وحديثا (كما سبق). فلم يزل العلماء يُوردون عبارات نفي العلم

بالسماع على أنها عباراتُ نفي للسماع، وأنها تدل على ترجيح الانقطاع

، بل على أنها تدل على الجزم بالانقطاع أيضا!!

وهذا الفهم الذي عليه العلماء (والذي يُناقِقُ تنظيرهم في مسألتنا هذه) هو الفهم الصحيح، وهو الفهم الذي يقضي على ذلك الاستدلال

البعيد المأخوذِ من ذلك الفهم الغريب!!!

ومع أن عبارات نفي العلم بالسماع كانت ومازالت تدلّ (عند المشتغلين بعلم الحديث) على نفي السماع، وأنه لا فرق بينها في المعنى غالبا؛ لأن عبارات نفي العلم بالسماع وعبارات نفي السماع إنما هي مبنيّة على القرائن = إلا أن هذه المُسلَّةَ الصحيحةَ ستصبح عند

بعضهم محلَّ نظر وشك، لا لشيءٍ، إلا لأنها ستنسِفُ مسلمة أخرى،

قد تكون أكثر رسوخا في نفوسهم!!

الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] انظر ماسبق ـ أي من كتاب إجماع المحدثين ـ (16 ـ 17).

ـــــــــــــــــــــــــــــ يتبع ـــــــــــــــــــــــــــ

ـ[مبارك]ــــــــ[13 - 11 - 02, 12:47 ص]ـ

لذلك فإني سأذكّر هنا بأمثلة يسيرة جدا، تدل على أن نفي العلم

بالسماع يعني ترجيح عدم حصول السماع؛ لا أنه مجرّد خبر عن عدم

الوقوف على مايدل عليه، كما يريد المستدلون به على أنه دليلُ اشتراط العلم بالسماع.

* فانظر إلى قول الترمذي: " لا نعرف للأسود سماعا من أبي السنابل، وسمعت محمدا يقول: لا أعرف أن أبا السنابلعاش بعد النبي

صلى الله عليه وسلم [1].

فهذا نفي للعلم بالسماع، مع عدم المعاصرة أصلا بين الراويين!! فهل هو إعلالٌ بعدم العلم بالسماع بناءً على اشتراط العلم به؟!

* ويقول الترمذي: " لانعرف لأبي قلابة سماعا من عائشة، وقد روى

أبو قلابة عن عبدالله بن يزيد رضيع عائشة عن عائشة غير هذا الحديث

[2].

فهذا نفي للعلم بالسماع، معلّلاً بقرينة ذكر الواسطة.

هذا مع قول الدارقطني: " أبو قلابة عن عائشة مرسل " [3]. كذا

على الجزم.

* ويقول الترمذي: " هذا حديث ليس إسناده بمتصل، ربيعة بن سيف

إنما يروى عن أبي عبدالرحمن الحُبُلِّي عن عبدالله بن عمروا، ولا نعرف

لربيعة بن سيف سماعا من عبدالله بن عمرو " [4].

فانظر كيف جزم أولا بعدم الاتصال، وبيّن قرينة ذلك، ثم عاد لنفي العلم بالسماع! هذا من أوضح مايكون.

* ويقول الترمذي: " لا نعرف لزيد بن أسلم سماعا من أبي هريرة، وهو عندي حديث مرسل " [5].

فينفي العلم بالسماع، ثم يجزم بالإرسال.

ويؤكد نفي السماع أن يحيي بن معين وعلي بن الحسين بن الجنيد

نفيا السماع [6].

* ومثله في الوضوح قول النساائي في " المجتبى ": " هذا الحديث عندي مرسل، وطلحة بن يزيد لا أعلمه سمع من حذيفة شياء،وغير

العلاء بن المسيب قال في هذا الحديث: عن طلحة عن رجل عن

حذيفة " [7].

الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ جامع الترمذي (رقم 1193).

2ـ جامع الترمذي (رقم 2612).

3ـ العلل للدارقطني (5/ 137 / أ).

4ـ جامع الترمذي (رقم 1074).

5 ـ جامع الترمذي (رقم 3846).

6ـ تحفة التحصيل لأبي زرعة العراقي (رقم 287).

7ـ سنن النسائي (رقم 1665)، وانظر تحفة الأشراف (3/ 43 ـ 44)

ــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير