ـ[مبارك]ــــــــ[14 - 11 - 02, 04:25 م]ـ
ـ وقد ينفي أحد الائمة العلم بالسماع في روايته، وغيره من أهل العلم ينفون السماع فيها، مما يدل أيضا على اتحاد معنى التعبيرين.
وقد سبق لذلك أمثلة، ومن أمثلته أيضا (وهي كثيرةٌ):
* يقول البخاري في ترجمة سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر: " لا
يُعرف،ه سمع من عمار " [1].
مع أن يحيى بن معين يقول: " حديثه عن جدّه مرسل " [2]،وكذ
قال الذهبي [3].
* وقال البخاري: " عبد الله بن مُرّة: عن خارجة بن حذافة، روى عنه
عبدالله بن راشد ... ولا يعرف سماع بعضهم من بعض " [4].
فعبّر عن ذلك ابن حبان في (الثقات) بقوله: " عبدالله بن أبي مُرّة: يروي عن خارجة بن حذافة في الوتر: إن كان سمع منه، روى عنه
يزيد بن أبي حبيب. إسنادٌ منقطع، ومتنٌ باطل " [5].
* ولمّا ذكر الترمذي حديث " لا يجب الوضوء إلا على من نام مضطجعا"
، سأل البخاري عنه، فقال البخاري: " هذا لا شيء ... (إلى أن قال:) ولا أعرف لأبي خالد الدالاني سماعا من قتادة " [6].
فلما ذكر أبو داود هذا الحديث للإمام أحمد، أنكره الإمام أحمد بشدّة، ثم قال: " ماليزيد الدالاني يُدْخَل في أصحاب قتادة " [7].
فانظر (أخيرا) ماذا فهم البيهقي من هذين القولين، حيث قال: "
فأمّا هذا الحديث: فإنه أنكره على أبي خالد الدالاني جميعُ الحفاظ، وأنكر سماعه من فتادة أحمد بن حنبل، ومحمد بن إسماعيل البخاري
وغيرهما " [8].
وبعد هذا كُلِّه، فإن جميع هذه الأقوال إنما هي غيضٌ من فيض من الأدلة على أن نفي العلم بالسماع إنما هو نفي ٌ للسماع، وليس خبرا
مجردا عن عدم العلم بالسماع، مبنيًّا على اشتراط العلم به ... كمازُعم!
وقد قام خالد الدريس بدراسة أقوال البخاري التي نفي فيها العلم
بالسماع، ثم خرج بالنتيجة التالية: " فيكون أكثر مانتقده البخاريُّ من
سماعات الرواة على مذهب مسلم أيضا منتقدا، لعدم توفُّر ضابط الاكتفاء بالمعاصرة أو أحدها " [9].
هذه هي نتيجة دراسة استقرائية لأقوال البخاري في نفي العلم
بالسماع، والقائم بها لا يُتّهم في مقصده، لأنه كان ناصرا لمذهب البخاري، بعد أن استقرّت صحّة نسبته إليه عنده.
وبذلك يُلاحِظُ أخي القارىءُ أن الداعي لذاك النفي للسماع هو وجود
قرائن تشهد لعدم حصول السماع: كالوسائط، أو نكارة الحديث، أو الشك في المعاصرة، وربما كان مع الجزم بعدم المعاصرة. وأن الداعي
إليه ليس هو اشتراط العلم بالسماع، كما ادُّعي!!
ـ ومن القرائن أيضا: الجهالةُ بالراوي، مما يعني الجهل بحصول معاصرة بينه وبين من روى عنه.
* ومثاله: يقول الإمام البخاري في ترجمة محمد بن ركانة القرشي:
" إسناده مجهول، لايعرف سماع بعضهم من بعض " [10].
* وقد تجتمع مع الجهالة نكارة الحديث، كما في حديثٍ يرويه أبوسورة
عن أبي أيوب في تخليل اللحية، قال عنه الخاري: " لاشيء "، فسأله
الترمذي " أبو سورة، ما اسمه؟ فقال: لا أدري، مايُصنع به، عنده مناكير، ولا يعرف له سماع من أبي أيوب " [11].
* ولما ذكر علي بن المديني حديث أبي زيد المخزومي عن عبدالله بن
مسعود في الوضوء بالنبيذ ليلة الجن، قال: " أخاف ألا يكون أبو زيد سمعه من عبدالله، لأني لم أعرفه، ولم أعرف لُقِيَّهُ. فرواه شريك عن
أبي فزارة عن أبي زيد حدثنا عبدالله، فجوده بقوله: حدثنا عبدالله " [12]
* وقال ابن المنذر في (الأوسط) عن هذا الحديث: " ليس بثابن،
لأن أبازيد مجهول، لايعرف بصحبة عبدالله، ولا بالسماع منه " [13].
قال مبارك: وهناك قرائن وأمثلة أخرى انظرها في " إجماع المحدثين " (51 ـ 76).
الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] التاريخ الكبير للبخاري (4/ 77).
[2] التهذيب (4/ 158).
[3] تحفة التحصيل لأبي زرعة العراقي (رقم 336).
[4] التاريخ الكبير للبخاري (5/ 192 ـ 193).
[5] الثقات لا بن حبان (5/ 45).
[6] العلل الكبير للترمذي (1/ 149).
[7] السنن لأبي داود (رقم 202).
[8] معرفة السنن والآثار للبيهقي (1/ 364 ـ 365 رقم 925).
[9] موقف الإمامين لخالد الدريس (250).
[10] التاريخ الكبير للبخاري (1/ 82).
[11] العلل الكبير للترمذي (1/ 115).
[12] العلل لا بن المديني (100 ـ 101 رقم 174)، والمراسيل
¥