تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في جميع هذه الصور تفطر المرأة الحامل، والمرضع كذلك إذا خافت على نفسها، أو خافت على الولد الذي ترضعه؛ لأنها تحتاج إلى الحليب، ولكي تدر الحليب لابد أن تكون مفطرة أو تفطر على وجه تقْوى به على الإرضاع، أو يكون الرضيع ضعيف البنية لا يمكن تأخير رضاعه، وإذا أرضعته وهي صائم استضرت؛ فحينئذ يجوز لها أن تفطر لمصلحة الغير، وكذلك أيضا إذا اجتمع الأمران من باب أولى وأحرى، فخافت على نفسها المرضع، وخافت على ولدها، أو على من ترضعه؛ جاز لها أن تفطر.

إذًا الحكم الأول أنه يجوز لها الفطر؛ وذلك لأنها إذا خافت على نفسها أو خافت على ولدها فقد وجد الضرر؛ وقد قال الله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}، وكان عبدالله بن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وعبدالله بن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - فيما صح عنهما يقولان: إن الآية ليست منسوخة، وإنها باقية في الحامل والمرضع والشيخ الكبير، وعليه فيجوز لها الفطر أعني المرأة الحامل والمرضع سواء خافت على نفسها أو خافت على ولدها أو خافت على الاثنين.

إذا خافت على ولدها فهذه نفس محرمة، والولد يكون متصلا بالحامل ولا إشكال، كأنه من المرأة الحامل نفسها، وأما إذا كانت ترضعه فإنها نفس محرمة وتوقف إنقاذها أو دفع الضرر عنها لحصول الصوم؛ فجاز لها أن تترخص كما يجوز للإنسان أن يفطر لإنقاذ غريق أو إنقاذ إنسان في مهلكة، وحتى بعض العلماء أوجب عليه الفطر لهذا الإنقاذ؛ لأن إنقاذها للنفس واجب، وتوقف على الفطر وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. هذا مسلك طائفة من العلماء في تقرير فطر الحامل والمرضع:

أولا: ثبوت التفسير عن السلف في الآية الكريمة.

وثانيا: أن أصول الشريعة تقتضيه.

المسألة الثانية: إذا قلنا إن كلا منهما يفطر فهل يجب عليهما القضاء؟

جماهير السلف والخلف -رحمهم الله- على أنه يجب القضاء على المرأة الحامل والمرضع إذا أفطرتا، سواء أفطرتا لأنفسهما خوفا على أنفسهما أو خوفا على الولد أو عليهما؛ والدليل على ذلك أن الأصل الشرعي يقتضي وجوب الصوم، وأن من حصل عنده العذر انتقل إلى أيام أخر؛ بدليل قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} فأوجب الله على المعذور الذي أفطر لعذر أن ينتقل إلى العدة من أيام أخر وهو القضاء، فهذا الأصل الشرعي هو الذي ينبغي البقاء عليه.

وذهب بعض السلف كما هو قول عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر –رضي الله عنهم- إلى أن الحامل والمرضع لا تقضيان، وقالا: يجب عليهما الإطعام فقط، وهذا القول يعارض الأصول من حيث الأصل الشرعي يقتضي أن الحامل والمرضع كلاّ منهما معذور، والعذر في الشريعة في الصوم ينقسم إلى قسمين:

عذر مستصحب لا يزول كالمريض الذي لا يرجى زوال مرضه وبرؤه، والشيخ الكبير الزمن الذي لا يعود إلى القوة حتى يقوى على الصوم، فهذا عذر دل الأصل على أنه ينتقل إلى بدل عن الصوم وهو الإطعام.

وأما بالنسبة لمن كان عذره غير مستصحب؛ فوجب البقاء على الأصل من مطالبته بالقضاء، واجتهد ابن عباس وابن عمر – رضي الله عنهما- فأسقطا القضاء؛ واستدل بعض المتأخرين لذلك بحديث أنس الكعبي وفيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((إن الله أسقط عن المسافر الصلاة والصوم وعن المرضع والحامل الصوم)) فقالوا: هذا الحديث اختلف في إسناده وفيه كلام عند العلماء -رحمهم الله- ومنهم من حسنه بالشواهد. وذكر بعض الأئمة كابن التركماني وغيره أنه مضطرب سندا ومتنا وبخاصة وأن في بعض الروايات عنه 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: ((لا أدري أقالهما جميعا أو أحدهما)) فشك في كون الإسقاط إسقاط الصوم عن المسافر والمرأة الحبلى والمرضع أم أنه اقتصر على المسافر فقط، وأيا ما كان هذا الحديث يمكن قلبه دليلا للجمهور؛ لأن المسافر بين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن الله أسقط عن المسافر الصوم والصلاة أي أسقط عنه شطر الصلاة ولم يسقطها بالكلية، والمسافر بالإجماع لا يطعم، فينتقل إلى البدل وإنما يجب عليه أن يصوم أياما أخر كما قال تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} فدل على أن الإسقاط ليس إسقاطا للقضاء، وأنه ليس إسقاطا للتعين وهو وجوب الصوم، فالفهم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير