تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من هذا الحديث على أنه يدل على أن المرأة الحامل والمرضع أن كلا منهما يطعم ولا يصوم ضعيف.

والصحيح ما ذهب إليه جماهير السلف والخلف والأئمة -رحمهم الله- ومأثور عن طائفة من أئمة التابعين والأئمة الأربعة على أنه يجب القضاء على المرأة الحامل والمرضع، حتى إن طائفة من أصحاب ابن عباس -رضي الله عنهما- خالفوا ابن عباس في ذلك، واعتبر من مفردات ابن عباس -رضي الله عنهما- وكذلك عن ابن عمر ليس خاصا لابن عباس بل إنه صح عن ابن عمر فمن قال إنه من مفردات ابن عباس ربما لم يطلع على السند الصحيح عن ابن عمر -رضي الله عنهما- وأيا ما كان فقول الصحابي إذا احتمل اجتهادا وكان أصل القرآن أو أصل السنة يقتضي اللزوم ودل النظر الصحيح على قوة هذا الأصل واعتباره؛ وجب البقاء على الأصل مراعاة لتلك النصوص، وبخاصة أن جماهير السلف والأئمة -رحمهم الله- على عدم العمل بهذه الفتوى من ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهما-؛ لأن الأصول الشرعية تدل دلالة واضحة على أن من عجز في أول حال وقدر في ثاني حال أنه لا تسقط عنه العبادة بحال بمعنى أنه لا تسقط عنه كلية.

أما أن تسقط عنه في حال العجز وينتقل إلى البدل؛ فهذا الذي دلت عليه الأصول في الصلاة وفي الصوم ونحوها من العبادات البدنية، وعلى هذا فإنها تصوم قضاء، تصوم كل من الحامل والمرضع قضاء يجب عليهما القضاء.

ثم اختلف هل تطعمان أو لا تطعمان؟ وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال مشهورة عند الأئمة الأربعة -رحمهم الله-: منهم من قال: بالأصل العام تفطران وتقضيان وتطعمان إذا خافتا على الولد، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة وهو قول مجاهد من أئمة السلف -رحمة الله على الجميع -.

القول الثاني يقول: تفطران وتقضيان ولا تطعمان، وهذا القول قال به طائفة من أئمة السلف -رحمهم الله- قال به إبراهيم النخعي والحسن البصري وهو قول الإمام محمد بن مسلم الشهاب الزهري وسفيان الثوري وأبي ثور إبراهيم بن خالد بن يزيد الكلبي وأبي عبيد القاسم بن سلام وأبي حنيفة وأصحاب الرأي -رحمة الله على الجميع- أنهما تفطران وتقضيان ولا إطعام عليهما، والحقيقة هذا القول قوي جدا من حيث الأصل والدليل، ولكن الإمام أحمد -رحمه الله- والشافعية جمعوا بين الأصل وبين فتوى عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر وطردوا ذلك، ولكن من حيث الدليل والقوة لاشك أن قول من قال: إنهما تفطران وتقضيان ولا إطعام عليهما أقعد وأقرب للصواب -إن شاء الله تعالى-.

والإمام أحمد -رحمه الله- كان يتورع كثيرا، ولذلك القول بالإطعام فيه ورع، وإذا قيل بالفطر لهما وبخاصة إن العذر متصل بغيرهما في حال الخوف على الولد من الحامل أو من المرضع فلاشك أن هذا أفضل.

وذهب الإمام مالك -رحمه الله- وهو القول الثالث إلى التفصيل فقال: الحامل تفطر وتقضي ولا تطعم، والمرضع تفطر وتقضي إذا خافت على ولدها تفطر وتقضي وتطعم، فجعل عذر المرضع منفصلا، وجعل عذر الحائض متصلا، فأسقط الإطعام في المتصل ولم يسقطه في المنفصل، وأيا ما كان فإن الأقوى ما ذكرناه من وجوب القضاء دون الإطعام.

قال رحمه الله: [إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينا]: تطعمان عن كل يوم مسكينا إذا خافت على ولديهما هذا إذا كانت مرضعا أو حاملا سواء كانت في بداية الحمل أو في انتصاف الحمل أو في غاية الحمل المهم أن يثبت في قول الطبيب العدل أو تكون المرأة نفسها تعرف نفسها فيجوز لها أن تبني على غالب ظنها، وهذا يختلف كما ذكر العلماء باختلاف الأشخاص. أما المرضع فإن كانت ترضع ولدها فلا إشكال؛ لأنها ملزمة بهذا الأصل، واختلف هل إذا وجدت من تستأجره للإرضاع هل يحل لها الفطر؟ والصحيح أنه يحل لها الفطر سواء وجدت أو لم تجد، وأما التي تستأجر للإرضاع؛ فإنها يجوز لها أن تفطر من أجل أن ترضع ولد غيرها لما ذكرناه من الأصل. ويرد السؤال: هل تجب عليها الكفارة المكررة بعدد الأولاد أو أنها تكون للجميع في كل يوم بحسبه؟ صورة المسألة: أنها لو أرضعت ثلاثة أولاد في اليوم الواحد وأفطرت من أجلهم فهناك من العلماء من يقول عليها أن تفتدي ثلاث مرات؛ لأنها حينما أرضعت الأول وأفطرت وقويت على إرضاعه وجب عليها الإمساك، ثم بعد ذلك إذا أكلت من أجل أن ترضع الثاني أو شربت فإن هذا انتهاك ثانٍ، ثم الثالث كذلك، وهذا فيه إشكال سيأتي في مسألة من كرر الجماع، والأقوى أن فطرها للواحد كفطرها للجميع على قاعدة الاستصحاب.

قال رحمه الله: [وإن صامتا أجزأهما]: وإن صامت المرضع والحامل أجزأهما الصوم، ولكن هل تأثمان إذا غلب على ظنهما وجود الضرر أو شهد الأطباء العدول بتضرر الجنين ثم صامتا وتضرر الجنين؟ لا يخلو الأمر من وجود الإثم عليهما، ولذلك العمل بغالب الظن معتبر شرعا فلا يجوز لها أن تعرض نفسها أو ولدها للضرر) انتهى بنصه من شرح عمدة الفقه لابن قدامة المقدسي رحمه الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير