- ونهانا عن مشابهتهم والدليل (ولا تكونوا كالذين فرقوا دينهم) الكاف كاف تشبيه , وهنا جاء بالصلة وموصولها ولم يأت بالمشتق مباشرة ليبين العلة وسبب النهي (أي لا تكونوا مثلهم متفرقون ومختلفون) قال ابن جرير:- " وَلاَ تَكُونُوا يَا مَعْشَرَ الَّذِينَ آمَنُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاخْتَلَفُوا فِي دِينِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ، فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَعَلِمُوا الْحَقَّ فِيهِ، فَتَعَمَّدُوا خِلاَفَهُ، وَخَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ، وَنَقَضُوا عَهْدَهُ وَمِيثَاقَهُ، جَرَاءَةً عَلَى اللَّهِ وَأُولَئِكَ لَهُمْ: يَعْنِي وَلِهَؤُلاَءِ الَّذِينَ تَفَرَّقُوا، وَاخْتَلَفُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ عَذَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَظِيمٌ. ". [11] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn11)
- ونهانا عن التفرق في الدنيا (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) أي في الدنيا فحينئذ تقع العداوة والجدل وغيرها.
المسألة الثالثة: أن مخالفة ولي الأمر عندهم , وعدم الانقياد له , فضيلة , والسمع والطاعة ,ذل , ومهانة؛ فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالصبر على جور الولاة وأمر بالسمع والطاعة لهم , والنصيحة , وغلظ في ذلك , وأبدى فيه وأعاد , وهذه الثلاث , التي جمع بينها فيما ذكر عنه , في الصحيحين أنه قال: " إن الله يرضى لكم ثلاثا , أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا , وأن تعتصموا بحبل الله جميعا , ولا تفرقوا , وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم " ولم يقع خلل في دين الناس , ودنياهم , إلا بسبب الإخلال بهذه الثلاث , أو بعضها.
أي أنهم كانوا أصحاب فوضى وذلك راجع إلى المسألة السابقة لأنهم متفرقون في دنياهم ولعدم إقرارهم لولي يحكمهم لأنهم يرون أن جعل السمع والطاعة لشخص واحد من الذلة الومهانة.
- الولي: كل من قام بأمر وحكم به.
- السمع: قوة في الأذن تُدْرك بها الأصوات , وتطلق ويراد بها الفهم أو الطاعة. (سمعنا وعصينا) أي: فهمنا أمرك , وضد السمع الكره , (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها).
- جور الولاة: الظلم.
- وأمر بالسمع: أمر إيجاب , وليس المأمور به هو السمع فحسب , لا , بل السمع وما أثمر عنه من طاعة وانقياد.
- أولوا الأمر: العلماء , وقيل: الأمراء.
· لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق , إنما الطاعة في المعروف:- وهذا قيد في طاعة الأمراء وولاة الأمور , إنما هي في المعروف , مما جاء به الشرع , أو كان مباحا , فإن كان مما جاء به الشرع " مثل الصلاة أو الزكاة أو الجهاد " فهذه طاعة لله أولا ثم طاعة لهم ثانيا , وقد يكون من الأمور المباحة:- فتكون طاعة لهم , وتكون عند ذلك طاعة لله جل وعلا.
- النصيحة:- إرادة الخير للمنصوح , وأصل النصح في اللغة الخلوص , نصحت العسل إذا خلصته من الشمع.
· قال ابن رجب:- " والنصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم به وتنبيههم في رفق ولطف ومجانبة الوثوب عليهم والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك " [12] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn12).
· فكل ما يعين ولاة الأمور على إقامة الشرع فهو مأمور به.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» , قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (1/ 18):- " فَقَدْ جَمَعَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ؛ إخْلَاصِ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَلُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ الثَّلَاثُ تَجْمَعُ أُصُولَ الدِّينِ وَقَوَاعِدَهُ وَتَجْمَعُ الْحُقُوقَ الَّتِي لِلَّهِ وَلِعِبَادِهِ، وَتَنْتَظِمُ مَصَالِحَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.".
¥