قال القرطبي في تفسيره (17/ 148):" قال أبو ذر رضي الله عنه: قدم وفد نجران على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: الأعمال إلينا والآجال بيد غيرنا، فنزلت هذه الآيات إلى قوله: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) فقالوا: يا محمد يكتب علينا الذنب ويعذبنا؟ فقال: (أنتم خصماء الله يوم القيامة). ".
قال ابن كثير في تفسيره (7/ 482): " {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى:1 - 3] أي: قدر قدرا، وهدى الخلائق إليه؛ ولهذا يستدل بهذه الآية الكريمة أئمةُ السنة على إثبات قَدَر الله السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها، وردّوا بهذه الآية وبما (2) شاكلها من الآيات، وما ورد في معناها من الأحاديث الثابتات على الفرْقة القَدرية الذين نبغوا (3) في أواخر عصر الصحابة. ".
ومن ذلك قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ ... ).
· من نفي القدر: نسبة الأمور إلى الدهر مع نفيها أنها من خلق الله تعالى عز وجل.
المسألة الرابعة والأربعون: الاحتجاج على الله بالقدر.
قال تعالى:" سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم " , قال ابن كثير في تفسيره (3/ 357):" فإن الله مطلع على ما هم فيه من الشرك والتحريم لما حرموه، وهو قادر على تغييره بأن يلهمنا الإيمان، أو يحول بيننا وبين الكفر، فلم يغيره، فدل على أنه بمشيئته وإرادته ورضاه منا ذلك؛ ولهذا قال: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} كما في قوله: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ [مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ]} [الزخرف: 20]، وكذلك التي في "النحل" مثل هذه سواء قال الله تعالى: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: بهذه الشبهة ضل من ضل قبل هؤلاء. وهي حجة داحضة باطلة؛ لأنها لو كانت صحيحة لما أذاقهم الله بأسه، ودمر عليهم، وأدال عليهم رسله الكرام، وأذاق المشركين من أليم الانتقام.".
قال ابن كثير (8/ 418): " عن علي بن أبي طالب قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بَقِيع الغَرْقَد في جنازة، فقال: "ما منكم من أحد إلا وقد كُتب مقعده من الجنة ومقعده من النار". فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل؟ فقال: "اعملوا، فكل ميسر لما خلق له". قال: ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} إلى قوله: {لِلْعُسْرَى} ".
الخامسة والأربعون: معارضة شرع الله بقدره.
- اعترض: صار عارضا , كالخشبة المعترضة للنهر , اعترض الشيء دون الشيء: حال دونه , عاترض فلان فلانا: جانبه وذهب عنه.
فيقولون: كيف يقدر الله تعالى الكفر والإيمان ثم يشرع الله الشرائع من أوامر ونواهي , مع أنه لا فائدة فيها إذا كانت الأمور مقدرة ,ما الفائدة من الأمر بالإيمان الونهي عن الشرك وقد وقع كل منهما على وجه الأرض , كيف يقدر ويقع كيف ينهى ثم يقع وما ذاك إلا إذا كنت مجبوراً. (هذا مذهب باطل)
- الرد عليهم أن نقول: المخلوق له مشيئة وإرادة واختيار , وهذه الأمور تابعة لمشيئة الله من جهة الوجود , ولكن من جهة التحديد فهي من جهة توفيق الله للعبد بسبب أعماله الصالحة التي قدمها أو من جهة خسارة العبد التي جناها على نفسه , ولهذا فإنهم يعاقبون على فعل المعاصي , وكذلك فإن هذه المعصية تنسب إليهم لا إلى الشرع , وكذلك يثابون على فعل الحسنات والطاعات.
· والشبهة بين الشرع والقدر قديمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم ثم سلك بعض المنتسبين مسلك أؤلئك , وهي أنهم لم يفرقوا بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية , فاعتقدوا أن كل ما شاءه أراده فهو محبوب مرضي عند الله , لا ولكن هذا بعيد بل وضلال , وهذا اعتقاد باطل يكفّر من اعتقده , وكذلك لا يمكن لأن يدل على أن الله متصف بالظلم والجور والعياذ بالله عن ذلك كله.
¥