تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمَنْ ذا الذي يُجَوِّز لنفسه اليوم مخالفة سبيل المؤمنين على مَمَرِّ الأزمان؟، خاصة وقد نزلت النصوص المُشَرِّعة للنقاب أول ما نزلتْ على أطهر القلوب وأصفاها، فقالت: سمعنا وأطعنا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، يُربِّيهم ويصنعهم على عينه، وتحت سَمْعِه وبصره صلى الله عليه وسلم، والناس تنتشر فيهم خصال النخوة والغيرة والمروءة، ونحوها مِن خصال الخير.

فالرجال والنساء حينئذٍ أَغْيَر الرجال، وأطهر الرجال، وأعظم الرجال، وأعف الرجال، ومع ذلك كله يأمرهم الله عز وجل جميعًا، رجالًا ونساءً؛ بغض النظر، فيقول سبحانه لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30 - 31]، وأمرَ عز وجل نساءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم (ونساء المؤمنين لهُنَّ تبع) بعدم الخضوع بالقول في حديثهنَّ؛ فقال سبحانه: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32]، فجعل سبحانه هذه التدابير الاحترازية حاجزًا يحول بينهُنَّ وبين طمع مَن في قلبه مرض.

وفي سياق هذه التدابير الاحترازية نجد تدبيرًا احترازيًّا آخر يتمثل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59]، وقد كان ذِكْر أزواجه وبناته صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة كافيًا في تأكيد الأمر لعموم نساء الأمة؛ لأنه إذا أُمِرَتْ أمهات المؤمنين، وبنات النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ كان غيرهنَّ أولى وآكد بالأمر؛ لكن في ذِكْر {وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ} في الآية الكريمة زيادة تأكيد لأمر نساء المؤمنين بما أُمِرَتْ به أمهات المؤمنين وبنات النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أيضًا ردٌّ على مَن قد يزعم تخصيص الأمر بأمهات المؤمنين وبنات النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا منافاة بين هذا كله وبين قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}؛ لأنَّ الراجح في تفسير ما ظهر منها هو الثياب الظاهرة التي تظهر ضرورة، خلافًا لمن فسَّر {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بالوجه والكفين؛ لأنّ الاستثناء هنا من الزينة، وهي أقرب مذكور في السياق، وليس من الجسد، فلزِمَ مِن ذلك أن يكون ما ظهر منها هو الثياب أو الخمار أو النقاب، فهذا كله يظهر ضرورة، وهو من الزينة؛ كما قال الله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]، وقد صحَّ تفسير {ما ظهر منها} بالثياب عن جماعة مِن السلف؛ منهم ابن مسعود رضي الله عنه، من الصحابة، وإبراهيم النَّخَعِيِّ، مِن أئمة التابعين (22).

والثياب المقصودة هنا هي الزينة الظاهرة؛ لأن الآية تتكلم حول {ما ظهر منها}، ويُلْتَقَط هذا المعنى مِن مثل قول الطبري (23): "وهما زينتان؛ إحداهما: ما خَفِي، وذلك كالخلخالين والسوارين والقرطين والقلائد، والأخرى: ما ظَهَرَ منها ... " أهـ، وروى الطبري والطحاوي (24) وغيرهما؛ نحو هذا التفسير عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه.

ويُؤَكِّد ذلك أيضًا: قوله تعالى: {يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}، وقوله سبحانه: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ}، وأمثال هذه الآيات التي تدلّ على أَنَّ الخطاب متوجِّهٌ إلى تشريعٍ خاصٍّ بشيءٍ (عضوٍ) من المرأة، بخلاف آية الزينة، فالخطاب فيها متوجِّه إلى زينة المرأة لا إلى شيءٍ منها، وسياق الآيات صريحٌ في ذلك حيثُ تكلم عن تشريعات خاصة بأعضاء مِن المرأة ثم انتقل للكلام عن تشريع خاصٍّ بزينتها؛ فقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير