تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحدود .. ومحقِّقو التاريخ وذوو الحسِّ التاريخي يعلمون علم اليقين أن الأجناد في البلدان المفتوحة مدخولون بكائدين من الشعوب المغلوبة يحنُّون إلى ملكهم السليب، وفيهم من هو على دين قومه الوثني أو الكتابي، وقد شدَّ عضدهم أكثرُ من سبعين يهودياً تسربوا من نجران بزعامة عبدالله بن سبإٍ ابن السوداء، وكلُّهم عقول مدبِّرة؛ فلما وليها عثمان رضي الله عنه على ضعفه وكبر سنه؛ إذ هو أكبر من صاحبيه رضي الله عنهم.

وقد أناف على ثمانين عاماً لما لقي ربه؛ فكانت له حسنات كبرى على سيرة صاحبيه كتوحيد المصحف على آخر عرضة مما هو مجموع قبله عند حفصة وغيرها رضي الله عنهم، وأما القراءات - متواترها، وغير متواترها فهي في صدور الصحابة والتابعين ومصاحفهم -، وكان رحيماً ودوداً كريماً .. وحصل منه اجتهاد ليس على منهج مَن قبله وهو تولية أقاربه، وإبقاؤهم في مناصبهم إلا في النادر، ومحلُّ اجتهاده أن الأمور اضطربت بعد الدخيل من الأمم المغلوبة، وتشوَّف للحكم من هم دون مستوى السابقين الأولين من المهاجرين؛ فرأى باجتهاده رضي الله عنه أن حماية الخلافة لن تكون إلا بحماية الثغور بعصابة من عشيرته، ولم يفرِّط في حق أحد، ولم يُغْضِ عن مظلمة متظلِّم .. والذين ألِفوا سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كطلحة والزبير رضي الله عنهما كان في نفوسهم شيئ من هذا الاجتهاد، وأما سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فكان منعزلاً، واشتد روعه رضي الله عنه بعد قتل عثمان فمات منعزلاً في مكان ناءٍ عن الحجاز رضي الله عنهما .. ولما جاءت الهيجة الأولى من الأجناد التي ضلَّل بها ابن سبإٍ ورفاقه وزنادقة الأمم - وهم يريدون شرا بعثمان والمدينة والصحابة رضي الله عنهم -: ندب عثمانُ عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، وبحجته البليغة فنَّد كل مأخذٍ أوْردوه على عثمان، وأظهر جانب العذر لعثمان رضي الله عنه في كل مسألة؛ فانصرفوا خائبين .. ومع هذا فلم يسكت عليٌّ رضي الله عنه، بل طالب عثمانَ رضي الله عنه بأن يسير سيرة الشيخين رضي الله عنهما؛ فتعهد عثمان بذلك؛ فلما جاءت الهيجة الثانية وانضمَّ إليها الأجناد من مصر رجعوا بعد أخذٍ وردٍّ خائبين، ولو صح أن مروان بن الحكم رضي الله عنه تجرَّأ على الكتاب الذي سيرد ذِكره - وهو لا يصح - لكان ليس من السابقين الأولين الذين هم السلف؛ فلا يُقبل من سيرته إلا ما كان اتِّباعاً لهم بإحسان؛ فقد زعموا أنه أرسل كتاباً لأمير عثمان في مصر رضي الله عنهم بقتل وصلب الأجناد العائدين ليُثبِّت خلافة عثمان رضي الله عنه حسب نظره؛ فعادوا وكانت الكارثة بقتل عثمان رضي الله عنه، وما قصَّر الصحابة في حمايته (وعلى رأسهم عَلِيٌّ رضي الله عنهم) لولا أنه عزم عليهم عثمان رضي الله عنه بلزوم بيوتهم موقناً بما أخبره به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفتنة التي ستناله فيموت شهيداً رضي الله عنه، ومع هذا ترك عليٌّ ابنه الحسن للدفاع عن عثمان رضي الله عنهم حتى وُجِدت يداه جامدتين من الدَّم، وهذه الهيجة فوق قدرة الصحابة رضي الله عنهم، ولقد دخل في الفتنة قوم صلحاء غُرِّر بهم؛ لأنهم حملوا مثل اجتهاد عثمان رضي الله عنه في التَّقَوِّي بعشيرته على مخالفة الشيخين والاستئثار بالأمر كمحمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد جرَّ لحية عثمان رضي الله عنه؛ فقال يا ابن أخي: هذه اللحية التي تجرها طالما أكرمها أبوك .. فاستحيى محمد عفا الله عنه، ولا يصح أبداً أنه شارك مباشرة في قَتْل عثمان، وإنما ضُلِّل به فشارك في الهيجة والفتنة، والمؤكَّد أن قاتليه من الأجناد الطارئين على الإسلام .. ليسوا سلفاً ولا أتباعاً ولا كرامة، والمؤرخون على كثرتهم حائرون في تقصِّي أحوال الفتنة، وتعيين كل ذي جنايةٍ باسمه؛ وإنما قُتل مظلوماً، وكان قد تحرَّى الخير والمصلحة باجتهاده، كما أنه من السابقين الأولين الذين ضمن الله لهم الجنة .. وسرُّ الاختلاف أن العمل عمل ظلاميٌّ مبرمج له، وقد أظهر الأثبات أمثال الدكتور يوسف العش الخيوط الخفية بلا ريب للفتنة وإن لم تتعين كيفية إدارتها، وانظر كلامه في كتابه الدولة الأموية ص 44 - 46؛ فسترى أن الأمر سِرِّيُّ التدبير من الأجناد بتحليل ذكي ثاقب .. ثم هذا الذي حصل في عهد عثمان رضي الله عنه ليس صراعاً على الحكم من السلف، ولكنه مواجهة مِن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير