42ـ في الحديث تسمية الشيء بجزئه الأهم، فالتحيات تسمى التشهد؛ لأن أهم ألفاظها لفظ الشهادتين في آخرها، وهذا عائد لمنزلة الشهادتين في الدين.
43ـ جاء لفظ الشهادتين في آخرها إشارة إلى أن الأعمال ينبغي أن تختم بالشهادتين، ولهذا من كان آخر كلامه من الدنيا الشهادة دخل الجنة كما ثبت في الأحاديث، فيناسب لفظ الشهادة التأخير.
44ـ يدل اقتران الشهادتين على الإخلاص والمتابعة، فلا يقبل العمل إلا إذا كان خالصاً لله، وموافقاً سنة نبيه صلى الله عليه وسلم،وهذا هو شهادة ألا إله إلا الله، وشهادة أن محمدا رسول الله.
45ـ دعاء التشهد من أجمع الأدعية حيث جمع عدة أمور عظيمة:
الثناء على الله بما هو أهله، ثم السلام على رسوله، ثم الدعاء لنفسه، ثم الدعاء لإخوانه، ثم الشهادتين، وهذا من أعجب ما فيه مع اختصار ألفاظه.
46ـ تعدد صيغ التشهد تدل على الإنسان عليه أن يعمل بما عَلِم، من غير تخطئة لغيره إن كان معه دليل، فابن مسعود وابن عباس وأبو موسى رضي الله عنهم أجمعين كلٌ له تشهده الذي علّمه النبي صلى الله عليه وسلم، وكلٌ عمل وعلّم ما تعلمه من غير تخطئه لغيره، والاختلاف بين الألفاظ يسير.
47ـ تشهد ابن عباس رضي الله عنه بلفظ:" التحيات المباركات الصلوات الطيبات " وكلها بحذف الواو، وهو أسلوب عربي فصيح، لكن إثباتها أكمل كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه وهذا أحد المرجحات للفظ ابن مسعود رضي الله عنه.
48ـ في تشهد ابن عباس رضي الله عنهما قوله:" التحيات المباركات " يحتمل:
أ ـ أن الواو محذوفة، والتقدير: التحيات لله، والمباركات لله.
ب ـ ويحتمل أن المباركات وصف للتحيات، والتقدير: التحيات المباركات لله، وهو يدل على أن الله يستحق كل تحية مباركة. والأمران محتملان.
49ـ في تشهد ابن عباس رضي الله عنهما في رواية له بلفظ: " سلامٌ عليك أيها النبي، سلامٌ علينا وعلى عباد الله " بتنكير لفظ " السلام " وهو يفيد التعظيم، إلا أن إثبات الألف واللام أكمل في المعنى، ولهذا قال ابن حجر رحمه الله (2/ 151) " لم يقع في طرق حديث ابن مسعود حذف اللام، وإنما اختلف في ذلك في حديث ابن عباس ".
50ـ انفرد تشهد ابن عباس رضي الله عنه بلفظ " وأشهد أن محمدا رسول الله " والجمع للنبي صلى الله عليه وسلم بين الرسالة والنبوة أكمل من الاقتصار على أحدهما، وهذا أحد المرجحات لحديث ابن مسعود رضي الله عنه.
51ـ في تشهد ابن عمر رضي الله عنهما:" وزدت فيها: وبركاته"، أي بعد قوله: السلام عليك أيها النبي " وزدت: " وحده لا شريك له "، أي بعد شهادة ألا إله إلا الله.
وهذا دليل على أن الصحابة بعضهم يأخذ العلم من بعض؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما لم يزدها من تلقاء نفسه لكن مما سمعه من الصحابة غيره.
52ـ في قول ابن عمر رضي الله عنهما: " وزدت فيها " دليل على أمانة الصحابة في نقل الأحاديث، والتفريق بين ما أَخذه من النبي صلى الله عليه وسلم، وما أخذه من غيره، فشاهت أُعين من يعامل الصحابة كغيرهم في مشروع النقل والتوثيق.
53ـ وهنا مسألة وهي:
لما كان التشهد هو تحية الصلاة، ولهذا يسمى التحيات، فلمِ كان في آخر الصلاة، مع أن التحية موضعها في بداية الأمر؟
والذي يظهر لي - والله أعلم وأحكم – أن المصلي في بداية صلاته استفتح على ربه، فقال دعاء الاستفتاح، ثم خاطب ربه بالفاتحة وقراءة القرآن والذكر والتسبيح والتمجيد له، ثم جلس بين يديه يثني عليه ويحييه بأعظم التحايا ليسأل ربه، فإن المصلي الآن سيطلب من ربه السلامة له ولإخوانه، فناسب التحيات في هذا الموضع؛ لأنها تحية لأجل ما يطلبه من ربه، فهي تحية بين يدي طلب.
54ـ تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لهم كما يعلمهم السورة من القرآن، وتعليم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر دليل على أن التشهد يقال سرا، فلو كان يجهر به لتعلمه الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته، قال ابن عبد البر:" وإخفاء التشهد سنة عند جميعهم، والإعلان به جهل وبدعة " أ.هـ
55ـ تعليم عمر رضي الله عنه على المنبر دليل على أن سنته متبعة، وأن ذلك معروف بينهم، وإلا فهو لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يعترضوا عليه في ذلك.
¥