تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الشاطبي -رحمه الله-: "فجائز للإنسان أن ينشد الشعر الذي لا رفث فيه، ولا يذكر بمعصية وأن يسمعه من غيره إذا أُنشد على الحد الذي كان ينشد بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عمل به الصحابة والتابعون، وقد يقتدى به من العلماء، وذلك أنه كان ينشد ويسمع الفوائد، منها: المنافحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعن الإسلام وأهله، كما قال -صلى الله عليه وسلم- لحسان: (اهْجُهُمْ -أَوْ هَاجِهِمْ- وَجِبْرِيلُ مَعَكَ). وهذا من باب الجهاد في سبيل الله -تعالى-.

ومنها: أنهم كانوا يتعرضون لحاجاتهم، ويستشفعون بتقديم الأبيات بين يدي طلباتهم كما فعل ابن زهير -رضي الله عنه-، وأخت النضر بن الحارث، مثل ما يفعل الشعراء مع الكبراء، وهذا لا حرج فيه ما لم يكن في الشعر ذكر ما لا يجوز.

ومنها: أنهم ربما أنشدوا الأشعار في الأسفار الجهادية تنشيطًا لكلال النفوس، وتنبيهًا للرواحل أن تنهض في أثقالها وهذا حسن ...

ومنها: أن يتمثل الرجل بالبيت أو الأبيات من الحكمة في نفسه ليعظ نفسه أو ينشطها أو يحركها لمقتضى معنى الشعر، أو يذكرها ذكرًا مطلقًا كما روي أن قومًا شكوا إلى عمر -رضي الله عنه- إمامهم أنه إذا فرغ من صلاته تغنى؟

فجاءه عمر -رضي الله عنه- وقال له: أتتمجن في عبادتك؟

قال: لا يا أمير المؤمنين، لكنها عظة أعظ بها نفسي.

قال عمر: قلها. فإن كان كلامًا حسنًا قتله معك، وإن كان قبيحًا نهيتك عنه، فقال:

وفؤاد كلما عاتبته في مدى الهجران يبغي تعبي

لا أراه الدهر إلا لاهيًا في تماديه فقد برح بي

يا قرين السوء ما هذا الصبا فني العمر كذا في اللعب

وشباب بان عني فمضى قبل أن أقضي منه أربي

ما أرجي بعده إلا الفنا ضيَّق الشيب عليَّ مطلبي

ويح نفسي لا أراها أبدًا في جميل لا ولا في أدب

نفسي لا كنت ولا كان الهوى راقبي المولى وخافي وارهبي

قال عمر -رضي الله عنه-:

نفسي لا كنت ولا كان الهوى راقبي المولى وخافي وارهبي

ثم قال عمر -رضي الله عنه-: "على هذا فليغن من غنَّى".

" ... هذا وما أشبهه كان فعل القوم، وهم مع ذلك لم يقتصروا في التنشيط للنفوس ولا الوعظ على مجرد الشعر، بل وعظوا أنفسهم بكل موعظة ... " اهـ ملخصًا من الاعتصام 212 وما بعدها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "كل ما يعين على طاعة الله -تعالى- من تفكر أو صوت أو حركة أو قوة أو مال أو أعوان أو غير ذلك، فهو محمود في حال إعانته على طاعة الله ومحابه ومراضيه، ولا يستدل بذلك على أنه في نفسه محمود على الإطلاق، ويحتج به على ما ليس هو من طاعة الله، بل هو من البدع في الدين، أو الفجور في الدنيا" اهـ من الاستقامة 1/ 162.

الضابط في إنشادهم وسماعهم

كان الصحابة -رضي الله عنهم- ومن تبعهم بإحسان ينشدون الشعر المحمود يُذكِّرون به أنفسهم، ولم يشغلهم عن القرآن الحكيم، ولا اتخذوه ديدنهم، ولم ينشدوا الشعر بصوت فيه إلذاذ أو إطراب يلهي أو تصاحبه آلة لهو.

قال الإمام الشاطبي -رحمه الله- في "الاعتصام" في ذكر فوائد إنشاد الصحابة للشعر: "إنهم ربما أنشدوا الشعر في الأسفار الجهادية تنشيطًا لكلال النفوس وتنبيهًا للرواحل أن تنهض في أثقالها وهذا حسن، لكن العرب لم يكن لها من تحسين النغمات ما يجري مجرى ما الناس عليه اليوم، بل كانوا ينشدون الشعر مطلقًا من غير أن يتعلموا هذه الترجيعات التي حدثت بعدهم، بل كانوا يرققون الصوت ويمططونه على وجه لا يليق بأمية العرب الذين لم يعرفوا صنائع الموسيقى فلم يكن فيه إلذاذ ولا إطراب يلهي، وإنما كان لهم شيء من النشاط كما كان الحبشة وعبد الله بن رواحة يحدوان بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكما كان الأنصار يقولون عند حفر الخندق:

نحن الذين بايعوا محمدًا على الجهاد ما بقينا أبدًا

فيجيبهم -صلى الله عليه وسلم- بقوله:

اللهم لا خير إلا خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة"

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير