تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حظيت قصة ابن طفيل باهتمام كبير في أوروبا والعالم، وتقاطرت عليها الدراسات الفلسفية والتربوية والأدبية، ولطالما بحث الدارسون عن وجوه الشبه بينها وبين مثيلاتها من القصص الفلسفية الأوروبية، وقد بينت هذه الدراسات النقدية أن الأحداث الدرامية في قصة حي موجهة بوضوح تام لخدمة هدف فلسفي شُغل به العصر الذي عاش فيه ابن طفيل، إذ لم يكن ابن طفيل قادراً في قصته هذه على التحرر من سلطة مذهبه الفلسفي لأنه يعرف الهدف الذي يمضي إليه ويدرك الحقيقة الفلسفية التي يسعى إليها. وهو من أجل التوفيق بين ينبوعي المعرفة المتمثلين في الفلسفة والوحي.

يستقدم في قصته رجلين من خارج الجزيرة هما آسال وسلامان حيث يمثل أحدهما رمزاً للتعمق الروحي الغواص على المعاني، وثانيهما رمزاً للمذهب الظاهري الذي لا يحب التأويل، وأراد بالحوار الذي يجري بين هذا الثالوث المختلف في النزعة والاتجاه أن يحقق هذه المصالحة بين الفلسفة العقلية وبين النصوص الدينية، ويتضح أن ابن طفيل كان في دائرة هذه العلاقة يعلي من شأن الفيلسوف المؤمن لأنه يستطيع دون توسط النص أن يصل إلى غايته في فهم الكون وإدراك أسراره الخفية. فبعد حوار معمق بين حي وآسال وسلامان يكتشف الجميع أنهم يمتلكون حقيقية واحدة في فهم الكون ويدركون سر الأسرار متمثلاً في توحيد الذات الإلهية العليا إدراكاً للذات ومعرفة بالصفات.

المرحلة الأولى حي والظبية:

يروي ابن طفيل هذه العلاقة الكونية بين حي وبين الغزالة التي فقدت وليدها فتعهدته بالرعاية. فهي أي الغزالة تقدم له الغذاء وترضعه وتعنى به كأم حقيقية. لقد ألف الظبية وألفته، أحبته الظبية وأحبها وتعلق بها فإن هي غابت اشتد بكاؤه وإن هي حضرت ضج المكان بمناغاته وفرحه. وإن هي سمعته طارت إليه ولامسته ومن حليبها أعطته. وهنا يفترض ابن طفيل أن الجزيرة خالية من السباع والضباع والوحوش الكاسرة.

وعندما يبلغ الطفل الحولين من العمر في هذه المرحلة يتعلم حي عن طريق التقليد والمحاكاة للطيور والحيوانات الأخرى، وتظهر لديه الانفعالات الأولى مثل: الخوف والاستغاثة والقبول والرفض. وكان له ذلك بمساعدة الظبية التي وفرت له أصوات الحيوانات المعبرة عن نقل الانفعالات مثل الاستصراخ والاستئلاف والاستدعاء والاستدفاع". ومع أن حي لم يبلغ العامين من عمره إلا أنه في هذه المرحلة أصبح مهيأ للحياة ومستعداً لها.

المرحلة الثانية:

وتمتد هذه المرحلة من السنتين حتى السابعة من العمر. وفي هذه المرحلة يبدأ حي يتجاوز مناحي ضعفه وقصوره ويصبح قادراً على أداء بعض الأدوار الضرورية للحفاظ على وجوده واستمرارية حياته. وفي هذه المرحلة يتمكن حي من استخدام الملاحظة والمقارنة والمشاهدة والتأمل. وبدأ يفهم معنى وحدة الذات والهوية وانفصاله عن الآخرين ويكتشف الفروق بين الكائنات الحية التي تحيط به. وبدأت أيضاً في هذه المرحلة تظهر لديه بعض العواطف السلبية والإيجابية تجاه الأشياء.

المرحلة الثالثة:

وتبدأ هذه المرحلة من السابعة حتى الحادية والعشرين من العمر، وهي من أطول مراحل النمو عند حي وهي بالتالي تشكل نوعاً من الاستمرارية المؤسسة على المرحلة السابقة والتي تؤسس لمرحلة لاحقة. ففي مستوى الجسد استطاع حي أن يدرك التكامل القائم بين الروح والجسد وبدأ يفهم ماهية كل منهما. فالروح كما يدركها هي أسمى من الجسد , والجسد آلة الروح ومسكنها. وتبلغ معرفة حي عن العلاقة بين الجسد والروح غايتها القصوى ويتفهم وظائف الأعضاء وطبيعتها.

وفي المستوى العاطفي تتمحور عواطف حي ونوازعه الانفعالية نحو الظبية التي منحته الحياة. وقد تعلم من الغراب عملية الدفن دفن الجثث الميتة ومواراتها في التراب. وقد فعل ذلك عندما ماتت أمه الظبية ولكن حبه بقي وجداً روحياً شمل جميع الظباء في الغابة لأنه كان يرى صورة أمه في جميع الظباء. وذلك هو الحب الروحي الذي يعم ويسمو ويأخذ انطلاقته الرمزية. وفي المستوى العقلي نجد أن حي يحقق تقدماً لا يستهان به في مجال التفكير والتأمل والنظر في قضايا الكون والوجود والحياة. واستطاع في هذه المرحلة أن يكتشف علاقات كثيرة أهمها:

ـ الكشف عن العلاقات بين أشياء متنافرة ومتضادة مثل علاقة الروح بالجسد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير