تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يشكل مذهب ابن طفيل في "حي بن يقظان" ينبوعاً للفكر الطبيعي في الفلسفة والتربية، ويعد علاّمة التربية الطبيعية وربان المذاهب الطبيعية المختلفة ا لتي شهدتها أوروبا في القرن الثامن عشر على يد المفكر الفرنسي جان جاك روسو في كتابه إميل. ويقرّ كثير من النقاد بأن روسو كان قد نهل من معين الفكر الطبيعي عند ابن طفيل وأنه قد قرأ بتمعن كبير قصة "حي بن يقظان" واطلع على مضامينها واستفاد منها في تشكيل نظريته الطبيعية في التربية والسياسة. ففي كل منحى من مناحي فكر ابن طفيل تطالعنا الطبيعة بجمال تكوينها طاقة سامية خلاقة تمكن حي من الوصول إلى أقصى غايته وأنبل طموحاته الإنسانية بوصفه مفكراً أنسياً عاقلاً وحكيماً.

لقد تلقفته الطبيعة في المهد ووفرت له ما يناسبه من الحنان والرعاية عبر الجزيرة والظبية والطيور والأشجار والثمار. فأيقظت فيه هذه الطبيعة حب التأمل والتفكير فولدت فيه فضول العارفين وانطلقت به إلى الحلم الكبير لإدراك الصوفي الإشراقي للعالم والكون.

فالتربية يجب أن تكون طبيعية لأن ابن طفيل عاش في أحضان الطبيعة وتغذى من عطائها وتعلم منها فن التفكير والحياة والعمل والتأمل والنظر والبحث عن ماهية الأشياء. ويلاحظ في هذا السياق أن ابن طفيل يؤكد في نسق تصوراته أن الطبيعة كافية بذاتها لتربية الإنسان وقادرة على أن تأخذ به إلى أكثر معالم الرشد والمعرفة الإنسانية تقدماً.

ويعتقد ابن طفيل مرة أخرى أن الطبيعة خيرة لا شر فيها، وليس ثمة نزع شر أصيل في النفس الإنسانية. كان حي خيراً بفطرته وكانت الطبيعة حاضنه الذي ينضح بكل الخير وبين لقاء الطبيعة والطبيعية (بين طبيعة حي وطبيعة الجزيرة) امتلك حي زمام نفسه نحو الخير المطلق. فالعلاقة هي جدل طبيعي بين الخير الذي يتأصل في كل طبيعة. وتلك هي الطبيعة الأم التي يلجأ إليها الإنسان عندما يحاصره الفساد والظلم والقهر في المجتمع. وكأن ابن طفيل كان يرى في الطبيعة ملاذاً ومنهجاً يمكّن الإنسان من العودة إلى أصالته الخيرة والتحرر من أثقال المجتمع التي تنذر بالفساد.

وباختصار فإن "حي بن يقظان" يرسم في كتابه هذا ملامح نظرية طبيعية في التربية متعددة الاتجاهات بعيدة الغايات تحمل في ذاتها نسقاً يفيض بتصورات فلسفية وإنسانية تتميز بطابع الشمول والأصالة.

من مقال للدكتور علي أسعد جريدة الأسبوع الأدبي عدد (893) بتصرف يسير

النقد لهذه القصة

1 - أولا لا بد من التنبيه أن القصة كما ذكر غير واحد من المؤرخين أنها للفيلسوف ابن سينا.

وابن سينا أحد فلاسفة الإسلام المتهمين بالزندقة والإلحاد

قال ابن قيم الجوزية: (وكان ابن سينا - كما أخبر عن نفسه - هو وأبوه، من أهل دعوة الحاكم، من القرامطة الباطنيين)، وقال ابن تيمية (تكلم ابن سينا في أشياء من الإلهيات، والنبويات، والمعاد، والشرائع، لم يتكلم بها سلفه، ولا وصلت إليها عقولهم، ولا بلغتها علومهم؛ فإنه استفادها من المسلمين، وإن كان إنما يأخذ عن الملاحدة المنتسبين إلى الإسلام كالإسماعيلية؛ وكان أهل بيته من أهل دعوتهم من أتباع الحاكم العبيدي الذي كان هو وأهل بيته معروفين عند المسلمين بالإلحاد)

وقد ذكر غير واحد في ترجمة ابن سينا أن من كتبه " حي بن يقظان " كما ذكر ذلك الزركلي في الأعلام وقام بشرحها عدة من أعيان الفلاسفة.

وقد كتب كذلك على منوالها عدة من فلاسفة كما فعل علي بن أبي الحزم القرشي وسماها " فاضل بن ناطق " كما في الأعلام للزركلي (4

271) وكذلك للسهرودي المتهم بالزندقة والإلحاد رسالة على هذه القصة كما في وفيات الأعيان (6

269)

ولا شك أن تتابع هؤلاء الفلاسفة على هذه القصة الفلسفية بالشرح أو التأليف له مغزى وهدف.

ومما يؤكد الصلة بين رسالة ابن الطفيل ورسالة ابن سينا ما قاله الأستاذ إبراهيم عبد الله " الشخصيتان المعينتان ل "حي" بن طفيل، على اكتشاف الدين والمجتمع؛ آسال وسالمان فاقتبسهما ابن طفيل من قصة نوه بها ابن سينا في القسم الأخير من سفره "الإشارات والتنبيهات"، وأومأ إلى أنها من الرموز التي تحمل معاني جديرة بالتأمل ... إن العناصر التي نعتبر أن ابن طفيل استلهمها من فلسفة ابن سينا، وخاصة من رسالتي "حي ابن يقظان" و"آسال وسلامان" السينويتين، باعتبارهما تضمان كثيرا من هذه العناصر السينوية، التي هي من أسرار هذه الحكمة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير