السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي الْبَحْر، ِ فَقَالَ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى! مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْرِ) صحيح البخاري - (ج 1 / ص 207). ومصداق ذلك في كتاب الله: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) الإسراء: 85
ثم إن هذا الحسن أيضا قد يتضاعف من جراء اقتران اسمين من أسماء الله الحسنى، فيعطي ذلك حسناً مضاعفاً. مثال ذلك: قال الله عز وجل (إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) النساء149. فله سبحانه في العفو غايته، وله في القدرة غايتها، لكن ثمَّ حسن ناتج من اقتران الاسمين؛ وهو أن (العفو مع المقدرة) أعلى درجات العفو! فربما يوصف بعض الناس بأنه ذو عفو، لكن حين نبحث، ونفتش، نكتشف بأنه عاجز! فهو قد عفا عن غير مقدرة، كما لو عفا إنسان ضعيف صعلوك عن ذي سلطان، وقال سامحتك. فربما قال قائل: لا يملك إلا هذا، ما عسى أن يصنع.
وبالمقابل، ً ربما يكون إنسان عنده قدرة وسلطان، لكن ظلوم غشوم، فيبطش، ويظلم. فتكون مقدرته هذه مقرونة بالظلم والعدوان والجناية.
لكن الله عز وجل، عفو، قدير يعني أنه يعفو مع المقدرة. ولهذا كان العفو مع المقدرة محمدة في حق الآدميين، كما وقع لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حين قال لقريش يوم فتح مكة: يا معشر قريش! ما تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم. قال: (اذهبوا، فأنتم الطلقاء) هذا عفو مع المقدرة لو شاء لانتصر لنفسه وانتقم.
مثال آخر: قرن الله تعالى بين اسمين (العليم) و (القدير) لأن قدرة الله إذا كانت مقترنة بالعلم، صارت عين الحكمة. فمن الناس من قد يكون عليماً، لكن لا يستطيع التنفيذ، كما يقال: (العين بصيرة واليد قصيرة). والعكس؛ من الناس من عنده القدرة، وآلية التنفيذ، لكن ما عنده نظر صحيح، ولا معلومات صحيحة، فقد يفسد أكثر مما يصلح. أما الله عز وجل فإنه (عليم قدير)، ولهذا قال: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) الطلاق12
وصفاته سبحانه وتعالى كلها صفات كمال؛ فكل ما وصف به الرب نفسه من الصفات، كالعزة، والغنى، والقدرة، والسمع، والبصر، وغير ذلك، فهي كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه، لأنه سبحانه وتعالى منزه عن النقائص.
والصفات، إما أن تكون:
1 - صفات كمال: فتجب لله، كالعلم.
2 - أو تكون صفات نقص: فتنفى عن الله، ويثبت له كمال ضدها، كالجهل
أو تكون في سياق معين تدل على الكمال، وفي سياق تدل على النقص: فلا يوصف الله بها إلا مقيدة، كالمكر، والكيد. ولهذا نجدها في كتاب الله مقيدة: (وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) آل عمران: 54، (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً. وَأَكِيدُ كَيْدا ً) الطارق: 15 - 16، لأن مدلولاتها تنقسم إلى قسمين: محمود، ومذموم. فدفعاً للتوهم الذي يمكن أن يقع في بعض النفوس نقول: لا يصلح أن تطلق على الله، بل لا بد أن تقيد، فيقال: يمكر بالماكرين , يكيد الكائدين، ونحو ذلك.
ونزيد ذلك إيضاحاً، فنقول: وصف الله نفسه بالمكر في آي متعددة، فقال سبحانه: (وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) آل عمران: 54، وقال: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ) الأنفال:30، وقال: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ. قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ. وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) النمل: 48 - 51
¥