وقد كتبت أصول هذه الأناجيل باللغة اليونانية فيما عدا "إنجيل متى" الذي كتب بالعبرانية، لكن أياً من اللغتين لم تكن لغة للمسيح، الذي كان يتكلم السريانية كما دلت على ذلك الأناجيل فمن الذي ترجم هذه الأناجيل؟! وأين النسخ الأصلية؟! فهذه أسئلة لا تجدون لها جواباً، وهي تفقد أي ثقة في هذا الأناجيل، وكذلك كُتاب الأناجيل ليسوا من تلامذة المسيح المباشرين، بل اقتبسوا من أفكار بولس الإلحادية والوثنية، ونسبوها إلى المسيح عليه السلام، والأناجيل الأربعة المشهورة لم تعرف إلا في أوائل القرن الثالث، وأول من ذكرها أرينوس سنة 209م، وقد امتدت إليها يد التحريف والتعديل على مر التاريخ حتى لا تكاد توجد نسخة تشبه الأخرى.
ومن نظر في الأناجيل الأربعة وجد كثيراً من الاختلافات الجوهرية والأغلاط، التي يستحيل معها أن يكون هذا الموجود بين أيديهم موحى به من عند الله فمنها على سبل المثال:
الاختلافات الكبيرة في قصة الصلب، برغم أنها من صلب عقيدتهم.
ومنها: اختلافهم في نسب (المسيح)؛ فقد أعطاه متى نسباً مخالفاً لما دوَّنه لوقا.
ومنها: الاختلاف في تعيين أسماء الحواريين؛ أصحاب عيسى عليه السلام،
ومن الأغلاط الظاهرة: قول متى في إنجيله بعد الصلب المزعوم للمسيح: "وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت والصخور تفتقت والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا للكثيرين"؛ فهذه الآية التي - لو حدثت - لنقلت بالتواتر؛ لأنها آية عظيمة تتوافر الهمم على نقلها، لكن لم يعلم بها أصحاب الأناجيل الثلاثة: لوقا ومرقص ويوحنا، مع اهتمامهم بذكر أمور بسيطة لا تدعو حاجة ولا ضرورة إلى ذكرها مما يدل على أنه محض خيال توهمه الكاتب.
وما جاء في إنجيل لوقا (1/ 30) في البشارة بالمسيح قوله: "ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويُمَلَّك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية". وهذا خطأ فاحش فإن المسيح لم يكن ملكاً لليهود، ولا ملكاً على آل يعقوب ولا حصل له شيء من ذلك، فهل يتخلف وعد الله؟!
فهذا كله وأضعافه، مما يورث اليقين بأن هذه الأناجيل ليست هي الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى.
يقول كلارك ـ شارح الكتاب المقدس في أربعة أجزاء ـ: "إن هناك أربعين ألف خطأ في الكتاب المقدس من الترجمات والحذف والنقل وغيرها".
وهذا ما دفع الكثير من علمائهم المنصفين إلى اعتناق الإسلام وكان من بينهم" فارس الشدياق" الذي عكف - هو ولجنة من علماء النصارى العرب - على إعادة صياغة الكتاب المقدس بأسلوب عربي رصين، وبعد أن أتم العمل أسلم؛ لما شاهده من التحريف والتبديل، وقال: "هؤلاء قوم يهرفون بما لا يعرفون، وكلما ضاق بهم الأمر كتبوا ما يريدون".
وقال ديورانت في "قصة الحضارة" (ج12/ ص7): "وترجع أقدم النسخ التي لدينا من الأناجيل الأربعة إلى القرن الثالث، أما النسخ الأصلية، فيبدو أنها كتبت بين عامي 60، 120م، ثم تعرضت بعد كتابتها مدى قرنين من الزمان الأخطاء في النقل، ولعلها تعرضت أيضاً لتحريف مقصود يراد به التوفيق بينها وبين الطائفة التي ينتمي إليها الناسخ أو أغراضها".
فلا عجب أن نرى في كل فترة من الزمان نسخة جديدة من الإنجيل مكتوباً عليها: "مزيدة ومنقحة!! ".
وقد احتوت الأناجيل على الوثنية الواضحة، فضلاً عن الاختلاف البيِّن بين طوائف المسيحية في إلوهية المسيح عليه السلام؛ فيستحيل حصول اليقين بنسبة تلك الكتب للمسيح؛ لانعدام الأسانيد الصحيحة الثابتة، بل إن الأدلة قائمة على أن هذه الكتب لم تعرف إلا بعد موت من نسبت إليه بعشرات السنين، وهذا باعتراف النصارى أنفسهم؛ فرسائل بولس وكذلك الرسائل الأخرى، وأعمال الرسل ليس في شيء منها الإشارة إلى واحد من هذه الكتب الأربعة؛ مما يعني أن هذه الكتب لم تكن معروفة في ذلك الزمن، ولم يطلع عليها أحد منهم، ويعترف النصارى أن تاريخ اعتبار هذه الكتب كتباً مقدسة لا يزال مجهولاً.
¥