تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن كان هذا القصد متبوعا فلا إشكال في أنه رياء لأنه إنما يبعثه على العبادة قصد الحمد وأن يظن به الخير وينجر مع ذلك كونه يصلي فرضه أو نفله وهذا بين وإن كان تابعا فهو محل نظر واجتهاد واختلف العلماء في هذا الأصل فوقع في" العتبية "في الرجل الذي يصلي لله ثم يقع في نفسه أنه يحب أن يعلم ويحب أن يلقى في طريق المسجد ويكره أن يلقى في طريق غيره فكره ربيعة هذا وعده مالك من قبيل الوسوسة العارضة للإنسان أي أن الشيطان يأتي للإنسان إذ سره مرأى الناس له على الخير فيقول له إنك لمراء وليس كذلك وإنما هو أمر يقع في قلبه لا يملك وقد قال تعالى وألقيت عليك محبة مني وقال عن إبراهيم عليه السلام واجعل لى لسان صدق في الآخرين وفي حديث ابن عمر

وقع في نفسي أنها النخلة فأردت أن أقولها فقال عمر لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا وطلب العلم عبادة قال ابن العربي سألت شيخنا الإمام أبا منصور الشيرازي الصوفي عن قوله تعالى إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا ما بينوا قال أظهروا أفعالهم للناس بالصلاح والطاعات

قلت ويلزم ذلك قال نعم لتثبت أمانته وتصح إمامته وتقبل شهادته

قال ابن العربي ويقتدى به غيره فهذه الأمور وما كان مثلها تجري هذا المجرى

والغزالي يجعل مثل هذا مما لا تتخلص فيه العبادة

والثاني ما يرجع إلى ما يخص الإنسان في نفسه مع الغفلة عن مراءآة الغير وله أمثلة

أحدها الصلاة في المسجد للأنس بالجيران أو الصلاة بالليل لمراقبة أو مراصدة أو مطالعة أحوال

والثاني الصوم توفيرا للمال أو استراحة من عمل الطعام وطبخه أو احتماء لألم يجده أو مرض يتوقعه أو بطنة تقدمت له

والثالث الصدقة للذة السخاء والتفضل على الناس

والرابع الحج لرؤية البلاد والإستراحة من الأنكاد أو للتجارة أو لتبرمه بأهله وولده أو إلحاح الفقر

والخامس الهجرة مخافة الضرر فى النفس أو الأهل أو المال

والسادس تعلم العلم ليحتمى به عن الظلم

والسابع الوضوء تبردا

والثامن الاعتكاف فرارا من الكراء

والتاسع عيادة المرضى والصلاة على الجنائز ليفعل به ذلك

والعاشر تعليم العلم ليتخلص به من كرب الصمت ويتفرج بلذة الحديث

والحادى عشر الحج ماشيا ليتوفر له الكراء وهذا الموضع أيضا محل اختلاف إذا كان القصد المذكور تابعا لقصد العبادة

وقد التزم الغزالي فيها وفى أشباهها أنها خارجة عن الإخلاص لكن بشرط أن يصير العمل عليه أخف بسبب هذه الأغراض

وأما ابن العربي فذهب إلى خلاف ذلك وكأن مجال النظر فى المسألة يلتفت إلى انفكاك القصدين أو عدم أنفكاكهما فابن العربي يلتفت إلى وجه الإنفكاك فيصحح العبادات

وظاهر الغزالي الالتفات إلى مجرد الإجتماع وجودا كان القصدان مما يصح انفكاكهما أولا وذلك بناء على مسألة الصلاة فى الدار المغصوبة والخلاف فيها واقع ورأي أصبغ فيها البطلان فإذا كان كذلك اتجه النظران وظهر مغزى المذهبين

على أن القول بصحة الانفكاك فيما يصح فيه الإنفكاك أوجه لما جاء من الأدلة على ذلك ففى القرآن الكريم {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} يعنى فى مواسم الحج

وقال ابن العربي فى الفرار من الأنكاد بالحج أو الهجرة إنه دأب المرسلين فقد قال الخليل عليه السلام

{إني ذاهب إلى ربي سيهدين}

وقال الكليم {ففررت منكم لما خفتكم}

وقد كان رسول الله صلى الله عليه جعلت قرة عينه في الصلاة فكان يستريح إليها من تعب الدنيا وكان فيها نعيمه ولذته أفيقال:إن دخوله فيها على هذا الوجه قادح فيها؟

كلا بل هو كمال فيها وباعث على الإخلاص فيها

وفى الصحيح: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.

ذكر ابن بشكوال عن أبي علي الحداد قال حضرت القاضى أبا بكر بن زرب شكا إلى الترجيلي المتطبب ضعف معدته وضعف هضمه على ما لم يكن يعهد من نفسه وسأله عن الدواء! فقال اسرد الصوم تصلح معدتك فقال له يا أبا عبد الله على غير هذا دلنى ما كنت لأعذب نفسى بالصوم إلا لوجهه خالصا ولي عادة فى الصوم الإثنين والخميس لا أنقل نفسي عنها.

قال أبو علي وذكرت فى ذلك المجلس حديث الرسول عليه الصلاة و السلام يعنى هذا الحديث وجبنت عن إيراد ذلك عليه فى ذلك المجلس وأحسبنى ذاكرته فى ذلك فى غير هذا المجلس فسلم للحديث.

وقد بعث عليه الصلاة و السلام رجلا ليكون رصدا فى شعب فقام يصلى ولم يكن قصده بالإقامة فى الشعب إلا الحراسة والرصد.

والأحاديث فى هذا المعنى كثيرة ويكفى من ذلك ما يراعيه الإمام فى صلاته من أمر الجماعة كانتظار الداخل ليدرك الركوع معه على ما جاء فى الحديث وما لم يعمل به مالك فقد عمل به غيره وكالتخفيف لأجل الشيخ والضعيف وذى الحاجة وقوله عليه الصلاة و السلام: إني لأسمع بكاء الصبي الحديث وكرد السلام فى الصلاة وحكاية المؤذن وما أشبه ذلك مما هو عمل خارج عن حقية الصلاة مفعول فيها مقصود يشرك قصد الصلاة ومع ذلك فلا يقدح فى حقيقة إخلاصها

بل لو كان شأن العبادة أن يقدح فى قصدها قصد شىء آخر سواه لقدح فيها مشاركة القصد إلى عبادة أخرى كما إذا جاء المسجد قاصدا للتنفل فيه وانتظار الصلاة والكف عن إذاية الناس واستغفار الملائكة له فإن كل قصد منها شاب غيره وأخرجه عن إخلاصه عن غيره وهذا غير صحيح بإتفاق بل كل قصد منها صحيح فى نفسه وإن كان العمل واحدا لأن الجميع محمود شرعا فكذلك ما كان غير عبادة من المأذون فيه لإشتراكهما فى الإذن الشرعي فحظوظ النفوس المختصة بالإنسان لا يمنع اجتماعها مع العبادات إلا ما كان بوضعه منافيا لها كالحديث والأكل والشرب والنوم والرياء وما أشبه ذلك أما مالا منافاة فيه فكيف يقدح القصد إليه فى العبادة هذا لا ينبغى أن يقال غير أنه لا ينازع فى أن إفراد قصد العبادة عن قصد الأمور الدنيوية أولى ولذلك إذا غلب قصد الدنيا على قصد فهو الرياء المذموم شرعا وأدهى ما فى ذلك فعل المنافقين الداخلين فى الإسلام ظاهرا بقصد إحراز دمائهم وأموالهم ويلي ذلك عمل المرائين العاملين بقصد نيل حطام الدنيا وحكمه معلوم فلا فائدة فى الإطالة فيه.

الموافقات (2

373)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير