تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما سؤال الخليل لربه عز وجل فهذا مذكور في القرآن في غير موضع، فكيف يقول: حسبي من سؤالي علمه بحالي، والله بكل شيء عليم، وقد أمر العباد بأن يعبدوه ويتوكلوا عليه ويسألوه؟! لأنه سبحانه جعل هذه الأمور أسباباً لما يرتبه عليه من إثابة العابدين وإجابة السائلين" ([59]).

2 - ] وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [:

"حسبه": أي كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه، ولا يضره إلا أذى لابد منه كالحر والبرد والجوع والعطش.

وأما أن يضره بما يبلغ به مراده فلا يكون أبداً، وفرق بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاء وهو في الحقيقة إحسان إليه وإضرار بنفسه، وبين الضرر الذي يشتفي به منه.

قال بعض السلف: جعل الله لكل عمل جزاء من نفسه، وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته، فقال: "من يتوكل على الله فهو حسبه" ولم يقل: فله كذا وكذا من الأجر، كما قال في الأعمال، بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل عليه وحسبه وواقيه، فلو توكل العبد على الله حق توكله، وكادته السماوات والأرض ومن فيهن لجعل له مخرجاً وكفاه ونصره ([60]).

قال الربيع بن خثيم ([61]): إن الله تعالى قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه، ومن آمن به هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق به نجاه، ومن دعاه أجاب له.

وتصديق ذلك في كتاب الله:] وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [([62])،] وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [([63])،] إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ [([64])،] وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [([65])،] وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [([66])

وقد قرأ النبي e هذه الآية ([67]) على أبي ذر، وقال له: "لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم" ([68]) يعني لو حققوا التقوى والتوكل لاكتفوا بذلك في مصالح دينهم ودنياهم ([69]).

تعلق التوكل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى:

التوكل من أعم المقامات تعلقاً بالأسماء الحسنى والصفات العُلى:

فله تعلق باسم (الغفار، التواب، العفو، الرؤوف، الرحيم، الفتاح، الوهاب، الرازق، المعطي، المحسن، المعز، المذل، الحافظ، الرافع، المانع).

وله تعلق بالقدرة والإرادة ولهذا فسره من فسره من الأئمة بأنه المعرفة بالله، فبحسب معرفة العبد لربه يصح له مقام التوكل، وكلما كان بالله أعرف، كان توكله عليه أقوى ([70]).

قدر الله سبحانه لكمال علمه وحكمته ربط الأسباب بالمسببات، فقد جعل سبحانه لكل شيء سبباً، في أمور الدنيا والآخرة في العبادات والعادات، وندب خلقه إلى مباشرتها، فشمر أهله وخاصته إلى إجابته في كلا الأمرين.

وهذا هو عمل الأنبياء وأتباعهم الصادقين في طاعتهم وانقيادهم الواقفين مع أوامره أنى استقلت ركائبها جالبة ما جلبت، مقتضية ما اقتضت، جمعتهم أو فرقتهم.

لكن الصوفية لبَّس عليهم إبليس – عليه لعنة الله – فابتدعوا في دين الله ما ليس منه، وعطلوا من دينه الكثير، فلا أسباب عندهم لا دين ولا دنيا.

وظنوا أن مباشرة الأسباب المباحة قدح في التوكل، وادعوا أن أهل (الأحوال) لا يباشرون الأسباب ثقة بالله واعتماداً على خوارق العادات.

ولا شك أنهم حادوا عن الجادة والصراط المستقيم، فقد دل النقل والعقل على وجوب التوكل مع ملابسة الأسباب، أما المنقول: "فإنه قد ظاهر e في الحرب بين درعين، ولبس على رأسه المغفر، وأقعد الرماة على فم الشعب، وخندق حول المدينة، وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة وهاجر هو، وتعاطى أسباب الأكل والشرب، وادخر لأهله قوتهم، ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء، وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك" ([71]).

وكان ادخاره قوت سنة لعياله في آخر عمره وأكمل أحواله مع ربه تعالى، وكان يطوف على القبائل في بداية الدعوة ويقول: من يعصمني حتى أبلغ رسالة ربي. وهو سيد المتوكلين ([72]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير