تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن كون العبد على الحق يقتضي تحقيق مقام التوكل على الله والاكتفاء به والإيواء إلى ركنه الشديد، فإن الله هو الحق، وهو ولي الحق وناصره ومؤيده، وكافي من قام به.

والتوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان ولجميع أعمال الإسلام، وإن منزلته منها منزلة الرأس من الجسد، فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن، فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته وأعماله إلا على ساق التوكل. والله أعلم" ([47]).

وروى هناد بن السري ([48]) بسنده عن سعيد بن جبير قال: "التوكل على الله جِماع الإيمان" ([49]).

وسمى الله عز وجل النبي e ( المتوكل) كما في صحيح البخاري عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: "قرأت في التوراة صفة النبي e: محمد رسول الله، سميته المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق".

وفي رواية "أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ…" ([50]).

وأخبر عن رسله: بأن حولهم كان التوكل، وبه انتصروا على قومهم، وأخبر النبي e عن السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب: أنهم أهل مقام التوكل ([51]).

وقفه عند الآيتين:

1 - ] الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [([52]).

2 - ] وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [([53]).

قد تعرضنا في أول هذا المبحث (فضل التوكل) لعلاقة التوكل بالإيمان، والجمع بينهما في القرآن، والجمع بين التوكل والإسلام، والجمع بين التوكل والتقوى، والجمع بين التوكل والعبادة، والجمع بين التوكل والهداية.

ولكي تتم الفائدة ويكتمل المبحث نختمه بفضله المتعلق بنتائجه، وعاقبة المتوكلين على الله عز وجل على ضوء هاتين الآيتين:

1 - ] حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [:

قال ابن جرير - رحمه الله -: "الذين" في موضع خفض مردود على "المؤمنين" وهذه الصفة من صفات الذين استجابوا لله والرسول و"الناس" الأول: هم قوم … كان أبو سفيان سألهم أن يثبطوا رسول الله e وأصحابه الذين خرجوا في طلبه بعد منصرفه عن أحد إلى حمراء الأسد.

و"الناس" الثاني، هم أبو سفيان وأصحابه من قريش، الذين كانوا معه بأحد.

ويعني بقوله: "قد جمعوا لكم" قد جمعوا الرجال للقائكم، والكرة إليكم لحربكم.

"فاخشوهم" فاحذروهم واتقوا لقاءهم فإنه لا طاقة لكم بهم: "فزادهم إيماناً" فزادهم ذلك من تخويف من خوفهم، أمر أبي سفيان وأصحابه من المشركين، يقيناً إلى يقينهم، وتصديقاً لله ولوعده ووعد رسوله إلى تصديقهم، ولم يثنهم ذلك عن وجههم الذي أمرهم رسول الله e بالسير فيه، ولكن ساروا حتى بلغوا رضوان الله منه، وقالوا ثقة بالله وتوكلاً عليه إذ خوفهم من خوفهم أبا سفيان وأصحابه المشركين.

"حسبنا الله" أي كفانا الله: يعني: يكفينا الله ([54])، كقوله تعالى:] أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [([55])، "ونعم الوكيل" نعم المولى لمن وليه وكفله" ([56]).

فازدادوا إيماناً بتوكلهم على ربهم وثقتهم به وبما عنده من النصر والتأييد عند تخويف الناس لهم بجمع الناس للقائهم والكرة عليهم لحربهم. ومع هذا العمل الإيماني القلبي قالوا: "حسبنا الله ونعم الوكيل" ولم يلتفتوا إلى تخويف من خوفهم. والله أعلم.

وروى البخاري بسنده عن ابن عباس "حسبنا الله ونعم الوكيل" قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد e حين قالوا: "إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل" ([57]).

"وما يروى أن الخليل لما ألقي في المنجنيق قال له جبريل: سل، قال: حسبي من سؤالي علمه بحالي ([58]). ليس له إسناد معروف، وهو باطل، بل الذي ثبت في الصحيح حديث ابن عباس أنه قال: "حسبي الله ونعم الوكيل" قال ابن عباس: قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين "قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم".

وقد روي أن جبريل قال: هل لك حاجة؟ قال: "أما إليك فلا" وقد ذكر هذا الإمام أحمد وغيره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير