تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كالذي يفارق الأمصار ويسافر في البوادي التي لا يطرقها الناس إلا نادراً ن ويكون سفره من غير استصحاب زاد، فهذا ليس شرطاً في التوكل، بل استصحاب الزاد في البوادي سنة الأولين. ولا يزول التوكل به بعد أن يكون الاعتماد على فضل الله تعالى لا على الزاد.

…ولهذا نقول: لو انحاز إلى شعب من الشعاب حيث لا ماء ولا حشيش ولا يطرقه طارق فيه، وجلس متوكلاً فهو آثم ساع في هلاك نفسه.

إذا: التباعد من الأسباب كلها مراغمة للحكمة، وجهل بسنة الله تعالى، والعمل بموجب سنة الله تعالى مع الاتكال عليه دون الأسباب لا يناقض التوكل.

الدرجة الثالثة: ملابسة الأسباب التي يتوهم إفضاؤها إلى المسببات من غير ثقة ظاهرة، كالذي يستقصي في التدبيرات الدقيقة في تفصيل الاكتساب ووجوهه، وذلك يخرج بالكلية عن درجات التوكل كلها … فهذا غاية الحرص على الدنيا والاتكال على الأسباب" ([81]).

وهذه أسباب ثلاثة: مقطوع بها، ومظنونة، وموهومة.

فترك الموهوم فيها شرط في التوكل، وهي التي نسبتها إلى دفع الضرر نسبة الكي والرقية، ورسول الله e لم يصف المتوكلين إلا بترك الكي والرقية والطيرة، ولم يصفهم بأنهم إذا خرجوا إلى موضع بارد لم يلبسوا جبة، والجبة تُلبس دفعاً للبرد المتوقع ([82]).

روى الترمذي وغيره عن أنس بن مالك قال: "جاء رجل إلى النبي e فقال: يا رسول الله أعقلها وأتوكل أم أطلقها وأتوكل؟ قال: اعقلها وتوكل ([83]).

وقال الإمام أبو القاسم القشيري ([84]): "اعلم أن التوكل محله القلب، وأما الحركة بالظاهر فلا تنافي التوكل بالقلب بعدما تحقق العبد أن الثقة من قبل الله تعالى، فإن تعسر شيء فبتقديره وإن تيسر فبتيسيره" ([85]).

فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة، والتوكل عليه إيمان به ([86]).

هذا في الأسباب المباحة والاكتساب، كذلك أمور الآخرة وهي الطاعات التي أمر الله عباده بها وجعلها سبباً للنجاة من النار ودخول الجنة فهذا لابد من فعله مع التوكل على الله فيه والاستعانة به عليه فإنه لا حول ولا قوة إلا به، فمن قصر في شيء من ذلك استحق العقوبة في الدنيا والآخرة شرعاً وقدراً.

قال يوسف بن أسباط: يقال: اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل لا يصيبه إلا ما كتب له ([87]).

الالتفات إلى الأسباب:

قال بعض أهل العلم: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ([88])، ومحو الأسباب – أن تكون أسباباً – تغيير في وجه العقل ([89])، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع ([90]).

والتوكل معنى يلتئم من معنى التوحيد والعقل والشرع ([91]).

والناس في العمل بالأسباب قسمان: وأصلٌ وسالك.

فالأول: هو الذي لا يلتفت إلى الأسباب ولو تعاطاها.

والثاني: يقع له الالتفات إلى السبب أحياناً، إلا أنه يدفع ذلك عن نفسه بالطرق العلمية والأذواق الحالية إلى أن يرتقي إلى مقام الواصل ([92]).

التداوي من الأسباب المشروعة التي لا تنافي التوكل ولا تناقضه والدليل على ذلك فعله e وقوله وأمره به.

أما قوله: فقد قال e: " ما من داء إلا وله دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله إلا السام ([93]).

وعند الترمذي: "يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء …".

وسئل e عن الدواء والرقى هل ترد من قدر الله شيئاً قال: "هي من قدر الله" ([94]).

وأما أمره e فقد أمر غير واحد من الصحابة بالتداوي وبالحمية وقطع لسعد بن معاذ عرقاً. "أي فصده"، وكوى سعد بن زرارة ([95]).

(وهو كدفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً) ([96]).

حكمه:

أولاً: عند الحنابلة: يباح التداوي بمباح إجماعاً ولا يجب عند جمهور العلماء، ولو ظن نفعه، واختار القاضي وابن عقيل وابن الجوزي وغيرهم من الحنابلة فعله وفاقاً لأكثر الشافعية.

وتركه أفضل: وهذا هو المشهور في المذهب؛ لخبر السبعين ألفاً يدخلون الجنة، ولأنه أقرب إلى التوكل ([97]).

وروي عن الإمام أحمد أنه سئل في الرجل يمرض يترك الأدوية أو يشربها؟ قال: إذا توكل فتركها أحب إليّ ([98]).

ثانياً: عند الشافعية: يستحب التداوي لما روي أبو الدرداء أن رسول الله e قال: "إن الله تعالى أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء فتدواووا ولا تداووا بالحرام" ([99]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير