تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال النووي: يستحب التداوي للأحاديث المشهورة في التداوي وإن ترك التداوي توكلاً فهو فضيلة. اهـ كلامه مختصراً ([100]).

وقال الرافعي منهم: يستحب الصبر على المرض والتداوي ([101]).

والذي يظهر من كلامه الجمع بينهما.

ثالثاً: المالكية: يرون أن شرب الدواء أو الحمية أو الحجامة أو فصد العروق أو غيرها جائز ([102]) يستوي فعله وتركه ([103]).

رابعاً: الأحناف: مذهب أبي حنيفة أنه مؤكد حتى يداني به الوجوب ([104]).

قال تقي الدين: ليس بواجب عند جماهير الأئمة، إنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد ([105]).

وقد رد ابن تيمية - رحمه الله – على من قال بالوجوب فقال: "التداوي غير واجب، ومن نازع فيه خصمته السنة في المرأة السوداء التي خيرها النبي e بين الصبر على البلاء ودخول الجنة وبين الدعاء بالعافية فاختارت البلاء والجنة ([106])، ولو كان رفع المرض واجباً لم يكن للتخيير موضع كدفع الجوع …

ولست أعلم سالفاً أوجب التداوي، وإنما كثيراً من أهل الفضل والمعرفة يفضل تركه تفضلاً واختياراً لما اختار الله ورضي به، وتسليماً له، وهذا المنصوص عن أحمد وإن كان من أصحابه من يوجبه.

ومنهم من يستحبه ويرجحه كطريقة كثير من السلف؛ استمساكاً لما خلقه الله من الأسباب وجعله من سنته في عباده" اهـ كلامه ([107]).

وقال ابن رجب: "من رجح التداوي قال: إنه حال النبي e الذي كان يداوم عليه وهو لا يفعل إلا الأفضل. وحمل الحديث على الرقي المكروهة التي يخشى منها الشرك بدليل أنه قرنها بالكي والطيرة وكلاهما مكروه ([108]) " اهـ كلامه.

وفي حمل من حمل الحديث على الرقي التي يخشى منها الشرك نظر حيث إن المقصود بها الرقي المشروعة لكن المتوكل يتورع عنها.

أما الرقي الشركية فلا يجوز تعاطيها البتة، واستخدامها قادح في التوحيد ([109]) فضلاً عن تمام التوكل والإيمان.

والذي يترجح في حكم التداوي – والله أعلم – أنه مستحب وفضيلة؛ ففيه رفق بالمريض وأهله ومحبيه، وقوة على الطاعة والعمل، والمؤمن القوي خيرّ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.

علاوة على النصوص الصريحة في الأمر بالتداوي، وفعله e. مع وجوب الاعتماد على الله تعالى لا على الأدوية في حصول الشفاء.

أما حديث المرأة السوداء: فدليل على عدم الوجوب، وصارف للأحاديث عنه إلى الاستحباب، ولا دليل فيه على فضل ترك التداوي مع القدرة عليه. والله أعلم.

روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: قال رسول الله e: " عرضت علي الأمم، فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط، والنبي ليس معه أحد، حتى رفع لي سواد عظيم، قلت: ما هذا؟ أمتي هذه؟ قيل: بل هذا موسى وقومه، قيل: انظر إلى الأفق، فإذا سواد يملأ الأفق، ثم قيل لي: انظر ههنا وههنا – في آفاق السماء – فإذا سواد قد ملأ الأفق، وقيل: هذه أمتك، ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفاً بغير حساب، ثم دخل ولم يبين لهم، فأفاض القوم وقالوا: نحن الذين آمنا بالله واتبعنا رسوله فنحن هم، أو أولادنا الذين ولدوا في الإسلام، فإنا وُلدنا في الجاهلية، فبلغ النبي e فخرج فقال: هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون.

فقال عكاشة بن محصن: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: نعم، فقام آخر فقال: أمنهم أنا؟ قال: سبقك بها عكاشة" ([110]).

وفي رواية: "عرضت علي الأمم، فأخذ النبي يمر معه الأمة، والنبي يمر معه النفر، والنبي يمر معه العشرة، والنبي يمر معه الخمسة، والنبي يمر وحده، فنظرت فإذا سواد كثير، قلت: يا جبريل هؤلاء أمتي؟ قال: لا ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد كثير، قال: هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفاً قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب، قلت: ولم؟ قال: كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام إليه عكاشة بن محصن فقال: اُدعُ الله أن يجعلني منهم، قال: اللهم اجعله منهم، ثم قام إليه رجل آخر فقال: اُدع الله …" ([111]) إلى آخر الحديث.

وساق مسلم بسنده عن أبي هريرة أن النبي e قال: "يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفاً بغير حساب، فقال رجل ([112]): يا رسول الله اُدع الله أن يجعلني منهم، قال: اللهم اجعله منهم، ثم قال آخر فقال: يا رسول الله اُدع الله أن يجعلني منهم، قال: سبقك بها عكاشة" ([113]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير