قال ابن القيم رحمه الله لما ذكر الأسباب التي تحمل النفوس الجاهلة قبول التأويل
السبب الثاني: أن يخرج المعنى الذي يريد إبطاله بالتأويل في صورة مستهجنة تنفر عنها القلوب, وتنبوا عنها الأسماع؛ فيتخير له من الألفاظ أكرهها وأبعدها وصولا إلى القلوب وأشدها نفرة؛ فكذلك أهل البدع والضلال من جميع الطوائف هذا معظم ما ينفرون به عن الحق ويدعون به إلى الباطل ...
انظر مختصر الصواعق (1
181)
قال ابن القيم رحمه الله: وقد أثنى على عباده المؤمنين حيث نزهوه عن إيجاد الخلق لا لشيء ولا لغاية فقال تعالى: {ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك} وأخبر أن هذا ظن أعدائه لا ظن أوليائه فقال: {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا} وكيف يتوهم أنه عرفه من يقول أنه لم يخلق لحكمة مطلوبة له , ولا أمر لحكمة ولا نهى لحكمة , وإنما يصدر الخلق والأمر عن مشيئة وقدرة محضة لا لحكمة ولا لغاية مقصودة , وهل هذا إلا إنكار لحقيقة حمده بل الخلق والأمر إنما قام بالحكم والغايات فهما مظهران بحمده وحكمته؛ فإنكار الحكمة إنكار لحقيقة خلقه وأمره؛ فإن الذي أثبته المنكرون من ذلك ينزه عنه الرب ويتعالى عن نسبته إليه فإنهم أثبتوا خلقا وأمرا لا رحمة فيه ولا مصلحة ولا حكمة بل يجوز عندهم أو يقع أن يأمر بما لا مصلحة للمكلف فيه البتة وينهى عما فيه مصلحة والجميع بالنسبة إليه سواء ويجوز عندهم أن يأمر بكل ما نهى عنه وينهى عن جميع ما أمر به , ولا فرق بين هذا وهذا إلا لمجرد الأمر والنهي , ويجوز عندهم أن يعذب من لم يعصه طرفة عين بل أفنى عمره في طاعته وشكره وذكره وينعم على من لم يطعه طرفة عين بل أفنى عمره في الكفر به والشرك والظلم والفجور فلا سبيل إلى أن يعرف خلاف ذلك منه إلا بخبر الرسول , وإلا فهو جائز عليه , وهذا من أقبح الظن وأسوأه بالرب سبحانه وتنزيهه عنه كتنزيهه عن الظلم والجور بل هذا هو عين الظلم الذي يتعالى الله عنه , والعجب العجاب أن كثيرا من أرباب هذا المذهب ينزهونه عما وصف به نفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال ويزعمون أن إثباتها تجسيم وتشبيه ولا ينزهونه عن هذا الظلم والجور , ويزعمون أنه عدل وحق وأن التوحيد عندهم لا يتم إلا به كما لا يتم إلا بإنكار استوائه على عرشه وعلوه فوق سماواته وتكلمه وتكليمه وصفات كماله فلا يتم التوحيد عند هذه الطائفة إلا بهذا النفي وذلك الإثبات والله ولي التوفيق.
شفاء العليل (2
558)
13– مسألة الحسن والقبح في الأشياء ومسألة هل يجب على الله شيء
مسألة الحسن والقبح العقليين من المسائل التي اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال:
أ - مذهب المعنزلة أن العقل يستقل بإدراك حسن الأشياء وقبحها والشرع تابع له.
ب - قول الأشعري وغيره أن العقل لايستقل بمعرفة حسن الأشياء وقبحها وإنما هو متوقف على النقل.
ت - القول الوسط بين هذين وهو مذهب السلف أن الحسن والقبح يدركان بالعقل ولكن ترتب الثواب والعقاب على الأشياء إنما يكون بعد ورود الشرع فهم يوافقون الأشاعرة أنه لا حكم بالثواب والعقاب والأمر والنهي في الفعل إلا بعد ورود الشرع ويوافقون المعتزلة أن العقل يستقل بمعرفة حسن الشيء وقبحه وأن من صفات الأشياء أنها حسنة أو قبيحة وأن الشرع لم يجيء بما يخالف الفطرة والعقل وأن أفعال الله مبناها على الحكمة. انظر مجموع الفتاوى (11
677)
وأما مسألة هل يجب على شيء فهي كذلك من المسائل المختلفة فبها والقول الوسط قول أهل السنة لا يجب على الله إلا ما أوجبه على نفسه سبحانه
قال شيخ الإسلام: أما الأول فلا ريب أن الله تعالى وعد المطيعين بأن يثيبهم ووعد السائلين بأن يجيبهم وهو الصادق الذي لا يخلف الميعاد قال الله تعالى: {وعد الله حقا} {ومن أصدق من الله قيلا} {وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون} {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله} فهذا مما يجب وقوعه بحكم الوعد باتفاق المسلمين وتنازعوا هل عليه واجب بدون ذلك على ثلاثة أقوال
قيل لا يجب لأحد عليه حق بدون ذلك
وقيل بل يجب عليه واجبات ويحرم عليه محرمات بالقياس على عباده
وقيل هو أوجب على نفسه وحرم على نفسه فيجب عليه ما أوجبه على نفسه ويحرم عليه ما حرمه على نفسه كما ثبت في الصحيح من حديث أبى ذر.
¥