لكن تعليق القلب بالمخلوق لا شك أنه من الشرك، فإذا علقت قلبك ورجاءك وخوفك وجميع أمورك بشخص معين، وجعلته ملجأ، فهذا شرك، لأن هذا لا يكون إلا لله.
وعلى هذا، فكلام الشيخ رحمه الله في قوله: "إن الأئمة لا يجوزون الاستعاذة بمخلوق" مقيد بما لا يقدر عليه إلا الله، ولولا أن النصوص وردت بالتفصيل لأخذنا الكلام على إطلاقه، وقلنا: لا يجوز الاستعاذة بغير الله مطلقا].
الفائدة الرابعة: كل قيد يراد به بيان الواقع، فإنه كالتعليل للحكم؛ (الصفة الكاشفة).
وفي باب: من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره،
قال – رحمه الله تعالى -:
[وقوله: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك}، أي: لأنه لا ينفعك ولا يضرك، وهذا القيد ليس شرطاً بحيث يكون له مفهوم، فيكون لك أن تدعو من ينفعك ويضرك، بل هو لبيان الواقع، لأن المدعو من دون الله لا يحصل منه نفع ولا ضرر، قال الله تعالى: {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} [الأحقاف: 5، 6].
ومن القيد الذي ليس بشرط، بل هو لبيان الواقع قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم} [البقرة: 21].
فإن قوله: {الذي خلقكم والذين من قبلكم} لبيان الواقع، إذ ليس هناك رب ثان لم يخلقنا والذين من قبلنا.
ومنه قوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم} [النساء: 23]، فهذا بيان للواقع الأغلب.
ومنه قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} [الأنفال: 24]، فهذا بيان للواقع، إذ دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - إيانا كله لما يحيينا.
وكل قيد يراد به بيان الواقع، فإنه كالتعليل للحكم، فمثلاً قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم} [البقرة: 21]، أي اعبدوه لأنه خلقكم.
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}، أي: لأنه لا يدعوكم إلا لما يحييكم.
وكذلك قوله تعالى: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك}، أي: لأنه لا ينفعك ولا يضرك، فعلى هذا لا يكون هذا القيد شرطاً، وهذه يسميها بعض الناس صفة كاشفة].
الفائدة الخامسة: الشكر يكون في ثلاثة مواضع.
في باب: من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره.
في قوله تعالى [فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له] العنكبوت (17).
قال – رحمه الله تعالى -:
[والشكر فسروه بأنه: القيام بطاعة المنعم، وقالوا: إنه يكون في ثلاثة مواضع:
1 - في القلب، وهو أن يعترف بقلبه أن هذه النعمة من الله، فيرى لله فضلاً عليه بها، قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله} [النحل: 53]، وأعظم نعمة هي نعمة الإسلام، قال تعالى: {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان} [الحجرات: 17]، وقال تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ..... } الآية [آل عمران: 164].
2 - اللسان، وهو أن يتحدث بها على وجه الثناء على الله والاعتراف وعدم الجحود، لا على سبيل الفخر والخيلاء والترفع على عباد الله، فيتحدث بالغنى لا ليكسر خاطر الفقير، بل لأجل الثناء على الله، وهذا جائز كما في قصة الأعمى من بني إسرائيل لما ذكرهم المَلَك بنعمة الله، قال "نعم، كنت أعمى فرد الله علي بصري، وكنت فقيراً فأعطاني الله المال"، فهذا من باب التحدث بنعمة الله.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - تحدث بنعمة الله عليه بالسيادة المطلقة، فقال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة".
3 - الجوارح، وهو أن يستعملها بطاعة المنعم، وعلى حسب ما يختص بهذه النعمة،
فمثلاً: شكر الله على نعمة العلم: أن تعمل به، وتعلمه الناس.
وشكر الله على نعمة المال: أن تصرفه بطاعة الله، وتنفع الناس به.
وشكر الله على نعمة الطعام: أن تستعمله فيما خلق له، وهو تغذية البدن، فلا تبني من العجين قصراً مثلاً، فهو لم يخلق لهذا الشيء].
¥