ثم علل التعددية الدلالية كما يعللها كل العقلاء بالرجوع إلى السياق واقتناص القرائن ..
"جاء الأسد" ... الظاهر فيها أن الاسد حقيقة في السبع .. لماذا؟
لأن الخلو من القرينة قرينة!
وهذا ما يسمى بالدلالة العدمية .. مثل قرينة الحرف عند النحاة ... فما ليس فيه علامات الاسم أوعلامات الفعل فهو الحرف ..
قال العلامة الشنقيطي:
فمن أساليبها إطلاق الأسد مثلاً على الحيوان المفترس المعروف وإنه ينصرف إليه عند الإطلاق وعدم التقييد بما يدل على أن المراد غيره، ...
الشيخ يستند إلى القرينة العدمية في التركيب .. ولا يختلف عن الإمامين ابن تيمية وابن القيم في اعتبار لزوم القرائن لكلام البشر .. ولو اعتبرت-وفقك الله- معنى الدلالة العدمية لحملت كلام الشنقيطي على محمله الصحيح ...
ثم قال الشيخ:
من أساليبها إطلاقه على الرجل الشجاع إذا اقترن بما يدل على ذلك،ولا مانع من كون أحد الإطلاقين لا يحتاج إلى قيد والثاني يحتاج إليه؛ لأن بعض الأساليب يتضح فيها المقصود فلا يحتاج إلى قيد وبعضها لا يتعين المراد فيه إلا بقيد يدل عليه وكلاً منهما حقيقة في محله وقس على هذا جميع أنواع المجازات ..
كلام واضح وسليم، لمن لم يكن فمه مرا!!
معناه أن:
" الاسد في الغابة "
حقيقة في الحيوان .. بدلالة التقييد بالغابة ... ولو قدر الأسد خارج التركيب -مثل وجودها في قاموس .. -فيجوز أن تقول عنها إنها دالة على الحيوان ... على قاعدة الاصل في الكلام هو الحقيقة ... كما يقول مثبتو المجاز ..
لكن لا يمنع أن نقول:
الأسد في المقهى ...
حقيقة في الإنسان .. ولا يفهم منه إلا هو .. بقرينة المقهى ...
العرب تقول الأول والثاني على السواء .. فلماذا التحكم والتمييز بدون حق .. فتقول الأول حقيقة والثاني مجاز ...
كل الكلام حقيقة ... وتعدد الدلالات راجعة للقرائن .. وغياب القرينة هو أيضا من القرائن .. هذا هو حاصل كلام العلامة الشنقيطي ...
فأين الفساد ... والفساد جدا!!!
قال أبو فهر:
وطريقة الشيخ الشنقيطي في نفي المجاز هنا طريقة فاسدة جداً ... فغاية الأمر أن ما يسميه مثبتة المجاز حقيقة =سماه الشيخ (أسلوب لا يحتاج إلى قيد) وأن ما يسميه هم مجازاً سماه الشيخ (أسلوب يحتاج لقيد) فأي شئ هذا (!!!!)
هذا يسمى الاختلاف اللفظي .. يا أبافهر .. وهو معروف سائغ لا يتعجب منه بأربع علامات!!!!
ثم هل تحققت من مذهب الشيخ جيدا ... هل يقول بالاختلاف اللفظي كما يظهر هنا أم له أدلة تكشف عن اختلاف حقيقي ... راجع كتب الشيخ!!
استدل أبو فهر بقوله:
ولو وجدت ورقة ملقاة ممزقة كتب فيها لفظ (أسد) لا ندري من كاتبها ولا من أين أتت ولا تحتف بها أي قرينة دالة ... فإننا لا ندري حينئذ أي معنى من معاني كلمة أسد أراد كاتبها .... وما من لفظة إلا وهي مقترنة بمن تكلم بها ومقترنة بغيرها من كلام ذلك المتكلم وأنبائه وحاله ما يبين ما أراده بلفظه، فكل لفظة فهي مقترنة بقرائن، واللفظ العاري عن القرائن البتة هو لفظ ذهني محض لا يوجد في الخارج ولا يعرف معناه المعين حتى يقترن به من القرائن ما يعين المعنى المراد ...
وهو حقا استدلال فاسد جدا!!!
يقال لك على نهجك:
ولو وجد ورقة أخرى مثل الأولى فيها كلمة"شمس"فهل سيلحظ فرقا أم لا؟
إن قلت لا فرق في الدلالة .. بين الرقعة التي فيها أسد والرقعة التي فيها شمس فقد كابرت .. وإن قلت بالفرق سألناك عنه .. من أين أتيت به مع عدم كل القرائن في الرقعتين!!!
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[28 - 12 - 07, 09:07 ص]ـ
كلام الشيخ الشنقيطي واضح كالشمس، وليس فيه أدنى خطأ! وهو تابع فيه شيخ الإسلام لمن فهم كلامهما.
والمشكلة أننا أحيانا نظن أن المبادئ التي يعرفها الصغار تخفى على الكبار، فنقع في نقدهم بناء على هذا!
لا ننكر أن جهابذة العلماء وكبار الأئمة يقعون في الأخطاء، ولكن هذا لا يعني أن نقول مثلا: الإمام أحمد يجهل حديث الأعمال بالنيات، أو ابن تيمية يجهل الفرق بين الواجب والمستحب، أو الشنقيطي لا يعرف أن الفاعل مرفوع!
فالمقصود أن مثل هذه الأمور الواضحة لا يمكن أن تخفى على هؤلاء، فإن قُدِّرَ - جدلا - أن في كلامهم ما يوهم هذا، فلا بد أن يحمل على أننا أخطأنا في فهم كلامهم!
عندما يقول الشنقيطي: (لأن بعض الأساليب يتضح فيها المقصود بغير قيد) ماذا يفهم العقلاء من هذا الكلام؟!
هل يفهم من قوله (الأساليب) أنه يعني المفردات المجردة؟!
هل يفهم من قوله (يتضح فيها المقصود) أن هذا الاتضاح للمقصود عرف مع التجرد مطلقا من القرائن؟! كيف؟ بالوحي مثلا؟
لا يفهم هذا الفهم أحد من العقلاء فيما أزعم!
(الأساليب) معناها المركبات، أو المفردات التي لها عهد ذهني أو حضوري أو ما شابه ذلك.
و (يتضح فيها المقصود بغير قيد) معناها أن الكلام فيه قرائن تدل على المقصود، ولكنها ليست قرائن لفظية، كأن تكون قرائن عقلية، أو قرائن عادية، فإن الذي يسمع كلمة (السماء) أو (الأرض) ينصرف ذهنه إلى المعاني المعروفة من هذه الكلمات، لا يشك في هذا أحد، وليس في اللفظ قرينة تفيد ذلك، وإنما استفيد هذا الانصراف الذهني من مجاري العادات، فمجاري العادات هنا صارت قرينة مقيدة للسياق، فلم يخل الكلام من القرائن مطلقا، وإنما خلا من القرائن اللفظية، وهذا ما يقصده الشنقيطي، وهو واضح جدا من كلامه.
فلا أدري كيف يفهم أحد من كلام الشنقيطي أن الكلام يصير مفهوما مع خلوه مطلقا من القرائن!!
هذا لا يزعمه أحد مطلقا، لا أصحاب المجاز ولا غيرهم؛ فإن قولي: (رأيت أسدا) هكذا فقط لا يمكن أن يفهم منه أحد المعنى المقصود.
فكيف نظن أن الشيخ الشنقيطي يقول ما لا يقوله أحد من العقلاء أصلا؟!
¥