تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما الآية الأخرى وهى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) فيقال فيها مثل ما قيل في الأولى، المراد بالكتاب القرآن، ولكن سورة النحل التى نزلت فيها هذه الآية أو هذه الجملة سورة مكية، النحل من السور المكية، ولم يكن نزل التشريع كله في مكة، إنما نزلت أصول التوحيد، وما يتصل بمعجزات الرسول صلي الله عليه وسلم، إنما نزلت أصول هذا وهذا في مكة وأما الفروع فقد نزلت في المدينة، فكيف يقال (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ).

فالمراد الكتاب في هذه الآية من سورة النحل القرآن، لكن ليس المراد ببيانه لكل شيء بيان لجميع أحكام الفروع، إنما هو مثل الآية التى قال الله فيها: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) إخباراً عن الريح التى أرسلها الله جل شأنه على عاد قوم هود أرسل عليهم ريحاً وقال: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا). وهى إنما دمرت قوم هود، دمرت عاد، ودمرت ديارهم، فالأمارات الحسية أو الأدلة الحسية، وواقع الهالكين الذين هلكوا وتحدث الله عنهم في القرآن يدل على أن المراد بالآية الخصوص لا العموم.

كذلكم قوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ) إلي آخر الآية هي مما أريد بها الخصوص وإلا ففي أي أية من الآيات بيان عدد الصلوات، أو بيان تفاصيل الزكوات، أو بيان الحج إلى بيت الله الحرام، بأصله وتفاصيله، لم يكن ضرع في هذا الوقت، إنما شرع فى المدينة في السنة التاسعة أو السنة العاشرة على الخلاف بين العلماء، وما كان من حج قبل ذلك، فهو على الطريقة الموروثة عن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام لما بنى البيت هو وابنه إسماعيل وأمره الله أن يؤذن في الناس، كان الحج مشروعاً وممتداً شرعه من أيام رسالة إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلي أيام العرب في زمن النبى r وبعد زمنه، أما فرضه في شريعة محمد r فقد نزل من آيات سورة آل عمران، وهذا لم ينزل في مكة إنما نزل في السنة التاسعة من الهجرة أو في السنة العاشرة التى حج فيها رسول الله r .

فكيف يقال تبياناً لكل شيء وهو لم يتبين فيه أصل فرضية الحج ولا تفاصيل الحج ولا تفاصيل الصيام، والصيام أيضاً فرض في المدينة بعد الهجرة بسنة، اين الجهاد وتفاصيله، الجهاد بالسلام أين هو وتفاصيله، البيوع أين هى وتفاصيلها وأين تحريم الربا وهو لم ينزل إلا في المدينة، فالآية إما أن يقال فيها أنها من العام الذي أريد به الخصوص، وإما أن يقال تبياناً لكل شيء أوجبه على المسلمين وهم في مكة لأن السورة مكية بيان لكل شيء مما أوجبه عليهم وشرعه لهم، لا أنها بيان لكل حكم من أحكام الإسلام.

فهؤلاء الذين أنكروا السنة جملة أو قالوا: لا حاجة إليها جملة أكتفاء بالقرآن واستدلالاً بهاتين الآيتين قد أخطأوا الطريق، ولم يعرفوا تاريخ التنزيل، ولم يعرفوا واقع التشريع وأن بيان ما في القرآن من العبادات والمعاملات، واقعة في السنة، ثم أين تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرآة وخالتها، أين تحريم زواج الإنسان بامرأة أبيه، إنما كان هذا في المدينة، تفاصيل الأحوال الشخصية من وقف ومواريث وهبات ووصايا ونكاح وطلاق، تفاصيل هذا كله إنما كان بالمدينة، في الآيات التى نزلت في المدينة وبينها الرسول r في سنته.

فواقع التشريع وعمل المسلمين جميعاً، برهان واضح يدل ضروة أو دلالة ضرورية على أن السنة جاءت بياناً للقرآن، بين في مكة ما يحتاجون إليه بقدر ما نزل من أحكام أصول التشريع، وبين في المدينة ما طرأت الحاجة إليه من بيوع وغيرها من المعاملات والجنايات والحدود، كل هذا ما نزلت آياته إلا بالمدينة، ولا بين الرسول r تفصيله قولاً وعملاً إلا بالمدينة عليه الصلاة والسلام. فالاستدلال بالآيتين استدلال مرود ولا يقال الدليل مردود.

قلت ابتداءاً إن موقف الداعية من المدعوين يختلف باختلاف حالهم، فمن أنكر الاحتجاج بالسنة جملة اكتفاء بكتاب الله احتج بالآيتين والرد عليهم كما سبق ذكره.

الشبهة الثالثة

رد بعض الأحاديث لمخالفتها للعقل أو

لمعارضتها المستقر في بعض الأذهان

بعض الناس من المسلمين، يرد بعض الأحاديث، إما بالنسبة لمعارضتها لفكرة فيما يزعم، أو لمعارضتها لما يرونه أن الطب جاء به، أن الطب قرر قراراً صحياً في أمور لا يليق أن يأتي على خلافها حدي عن الرسول r ، فأمثال هؤلاء يردون أحاديث إما لمعارضتها لعقولهم، وإما لمعارضتها لقواعد صحية.

مثلاً. كحديث الذباب والأمر بغمسه إذا سقط في الطعام، أو في الشراب، الأمر بغمسه بالشراب.

أولاُ: يرده جماعة ممن اقتنعوا بالطب وبالنظريات الطبية، وقدسوا النظريات الطبية ووثقوا بعقول الأطباء وبتجارب الأطباء أعظم وأقوى من ثقتهم بتشريع الله، وبما صح عن رسول الله r حسنوا ظنهم بالنظريات الطبية أكثر من تحسين ظنهم بما ثبت عن رسول الله r

وفى هذا طعن فى أحد أمرين:

-إما طعن فى المشرع.

-أو فى المبلغ وهو الرسول r أو خفض لوظيفته ومهمته.

يقولون إن وظيفته تشريع صلاة وصيام وكذا، وليس له دراية بالطب، ما الذي يدخله في الطب، هو له دائرة محدودة يجول فيها هى دائرة التشريع منس صلاة وصيام وبيع وشراء وأمثال ذلك، فما الذي يدخله في هذا، هذا ليس من اختصاصه فالعمل فيه إنما يكون على النظريات الطبية، لا على ما جاء عن الرسول r

لأن الفن ليس فنا له ولا هو اختصاصه

ثانيا: وإما أن يكون ردهم لهذا الحديث من جهة أخرى هى طعنهم في الرواة رووا هذا الحديث.

الجواب على هذه الشبهة:

أما من الجهة الأولى فالرسول r بين لهم العلة. قال: إن في أحد جناحية داء وفي الأخر شفاء، وتعليله هذا وهو أمى لم يدخل مدارس طب ولم يتفنن بتجارب قام بها، دليل على أنه إنما تكلم بهذا عن طريق الوحى من الله جل شأنه، والله سبحانه عليم بخواص مخلوقاته فهو عليم بجناح الذباب وما فيه من داء وما فيه من دواء، وأن هذا يكون علاجاً لهذا. (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير