الأول: قول الشيخ حفظه الله:
جعل الله تعالى أعظم دلائلها في القرآن العظيم، المحفوظ إلى يوم القيامة بكفالة رب
العالمين، ونوع وجوه دلالته عليها بما ييسر وقوف الناس على هذه الدلالة العظمى، فهو دال
على النبوة من جهة بلاغته وفصاحته، كما أنه دال على النبوة من جهة ما جعل الله فيه من
أنواع العلوم الإلهية والتشريعات الربانية المفصلة، الهادية إلى أحسن الأقوا ل والأخلاق
والأعمال، وهو كذلك دال على النبوة من جهة ما فيه من أنباء الغيب الماضية التي ما كان
يعلمها محمد ولا قومه من قبل أن يوحى إليه، وشهد بصدقها المنصفون من أهل الكتاب السابق، وكذا أنباء الغيب المستقبلية التي تحققت ولا تزال تتحقق شاهدة بأنه من عند عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال.
كل ذلك جميل، لكن تنوّع تلك الدلائل وحجّيتها لا يمنع من تنوّعها، وما قد يكون مناسبا لقوم قد لا يكون مناسبا لآخرين،
خذ مثلا عندك .... بعض الأخبار الغيبيّة .... كثير من النبوءات الموجودة غير صريحة .... نعم .... هي بمجموعها تدلّ على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ... لكن ذلك لا يعني أن دلالة بعضها قد لا تكون قاطعة عند المخالف ....
خذ مثلا .... قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج قيل يا رسول الله وما الهرج فقال هكذا بيده فحرفها كأنه يريد القتل)))
قد ينازعك المخالف (الكافر طبعا) بأن دلالات هذا النصّ غير معيّنة أو مربوطة بزمان معيّن، إنما هو كلام عام غير واضح الملامح .....
لكن دلالات مثل التنبؤ بمقتل عثمان بن عفان وموت أم حرام في البحر رضي الله عنهما ونيوؤة الروم ونحوها .... دلالات صريحة ...
إذا فالنوع الواحد من الأدلة تتفاوت فروعها وضوحا في الدلالة ....
حتى هذا الدليل (بمجمله) قد ينازعك فيه (بعض المخالفين) بأن دلالته ليست قطعيّة .... يل تكون ظنا راجحا ....
قال لي لاديني في حواري معه: ((لا تذكر لي نبوءات تاريخية .... فالتاريخ يصنعه المنتصر)))
طبعا هناك جوابٌ عليه وليس هذا مقامه .... لكن كما يتضح من قوله أن الدلالات قد تختلف مواءمتها للمخاطب تبعا لشخصيّته ومعارفه ...
فالكافر الصيني كيف ستحاجّه بإعجازيّة القرآن البلاغية وهو لا يعلم العربيّة أصلا؟؟؟؟ فتأمّل .... !!
يبدو لي أن الباحث لم يقصد بالاحتمال ما أشرت إليه من عدم قطعية المكتشفات العلمية،
راجع ص 304 - 305
وإنما أراد دخول الاحتمال في دلالة الآية أو الحديث على المكتشف، يعني {يغشاه موج من فوقه موج} مثلا تحتمل إرادة الأمواج السطحية المرئية كما عند مفسري السلف، وتحتمل الموج الباطني والموج السطحي كما في المكتشف، وتحتمل الأمرين معا، والأول مراد قطعا وإلا لزم تجهيل السلف، لكن لا إعجاز فيه، والثاني لا دليل قطعيا على أنه مراد، والثالث يدخله الدور
أقصى ما يدلّ عليه اللفظ لغويا وجود موجٍ يعلوه موج، دون تحديد حقيقة تلك الأمواج، فالمعنى عند الجميع وحد، والحقيقة تختلف باختلاف مدركات السلف العلميّة، وهذا ليس طعنا فيهم، لأنه غيبٌ عنهم لم يُكلّفوا بمعرفته، فهل إذا لم يعلم السلف حقيقة العلقة والمضغة والكيفيّة التفصيليّة لأطوار الجنين أننا جهّلناهم؟؟؟ أعيد فأقول: اتفق الجميع على المعنى اللغوي، ثم اختلفت الرؤية للحقيقة حسب المعطيات المعرفيّة.
ثم إنك رتّبت الفقرة الأولى بالثانية (اللتان اقتبستهما) ولا رابط بينهما.!!!
أشار الدكتور الباحث حفظه الله إلى إشكالية خطيرة، ألا وهي فتح باب الاستدراكات العلمية على القرآن والسنة بمجرد الاحتمال في دلالة اللفظ قياسا على إجراء الاحتمال في الإعجاز، يعني لو ادعى ملحد أن الآية {تغرب في عين حمئة} مثلا تناقض الحقائق الفلكية عن الشمس، أو أن من يكتفي بالقرآن في تقدير أحجام الأجرام السماوية يتصور تناسبا بين الشمس والقمر أو بين السماء والأرض في الحجم، أو أن سبب تعاقب الليل والنهار هو دوران الشمس والقمر حول الأرض، أو غير ذلك مما فهمه المسلمون من القرآن قبل المكتشفات الحديثة
هذه (القفزات) الاستنتاجيّة التي يقوم بها بعض (الإعجازيّون) هي محلّ نكير عند المتخصّصين عندهم، هذا الكلام على المجمل، وإلا فقد أتيت بأمثلة لا تعبّر عن مطلوب الشيخ ...
¥