تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

((وأما «استوى على كذا» فليس في القرآن ولغة العرب المعروفة إلا بمعنى واحد. قال تعالى: {فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه} وقال: {واستوت على الجودي} وقال: {لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه} وقال: {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك} وقد: «أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بدابة ليركبها فلما وضع رجله في الغرز قال: بسم الله فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله»، وقال ابن عمر: «أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج لما استوى على بعيره» وهذا المعنى يتضمن شيئين:

علوه على ما استوى عليه، واعتداله أيضا. فلا يسمون المائل على الشيء مستويا علي)) مجموع الفتاوى (17/ 374 - 375)

فالعلو بغير اعتدال ولا استقرار لا يسمى في لسان العرب استواء

فلا يقال: استوى على الفلك أو استوى على الدابة إلا إذا اعتدل واستقر عليها.

هذا من جهة اللغة.

ومَن قال: أكتفي بتفسير الاستواء بالعلو فقط بلا زيادة عليه.

فيقال له: هل هما إذًا (الاستواء والعلو معًا) صفتان ذاتيتان عقليتان أم صفتان فعليتان خبريتان؟

(لمن لا يعرف الفرق بينهما سأفرد ذلك في مشاركة تالية)

فإن قال: هما صفتان ذاتيتان، فقد خالف نص القرآن الصريح:

قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا}

وقال: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}

وقال: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}

وقال: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}

وقال: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ}

وقال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا}

والصفات الذاتية لا تنفك عن الرب أبدا، فلا يعبّر عنها بـ (ثم) وإنما هذه لا تكون إلا في الصفات الفعلية التي ترتبط بالمشيئة كالنزول والمجيء والإتيان وغيرها.

فإن قال: هما صفتان فعليتان. فقد خالف إجماع أهل السنة، بل وإجماع الفطر السليمة من أن صفة العلو صفة ذاتية لازمة للرب لا تنفك عنه بحال فلا يجوز أن نصِف الله في وقت أنه ليس بعَلِيّ، وفوقيته كائنة مستمرة لأنه لا يمكن أن يوصف بنقيضها.

بخلاف الاستواء على العرش، فيمكننا أن نقول: إن الله إنما استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض كما هو صريح القرآن، وقد اتفق أهل السنة أن صفة العلو صفة ذاتية لازمة للرب سبحانه فلا حاجة للإطالة في الاستدلال لذلك.

فعندئذ يلزمه أن يفرّق بين الاستواء والعلو.

وليس أمامه لهذا التفريق إلا سبيلين لا ثالث لهما:

الأول: أن يقول إن الاستواء له معنى مغاير لمعنى العلو. وبذلك يناقض ما اتفق عليه أهل السنة من تفسير (استوى) بـ (علا)، بل وما تفق عليه العرب أن من معاني الاستواء العلو. ولا حاجة للكلام عن هذا الفرض لأنه لا يقول به سلفي؛ إنما يقوله المبتدعة الذين يجعلون الاستواء له معنى مغاير للعلو ألا وهو الاستيلاء، والمناقشة هنا مع أهل السنة دون غيرهم.

فلم يبقَ إلا السبيل الثاني: وهو أن الاستواء له معنى زائد على مجرد العلو استحق به أن يكون صفة فعلية بينما العلو صفة ذاتية.

وهنا يرد السؤال: ما هو هذا المعنى الزائد؟

فإن قال: لا نعلمه ونفوّض علمه إلى الله فهذا هو عين مذهب المفوّضة الذين يفوّضون المعنى مع الكيف.

فلم يبقَ إلا أن نثبت المعنى الذي تعرفه العرب من لسانها دون شرح أو تفسير وهو الاستقرار فوجب إثباته.

وهذا ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله تعالى حيث قال:

((فإن قيل: فإذا كان إنما استوى على العرش بعد أن خلق السموات والأرض في ستة أيام فقبل ذلك لم يكن على العرش؟ قيل: الاستواء علو خاص، فكل مستو على شيء عال عليه، وليس كل عال على شيء [مستويا عليه]، ولكن كل ما قيل فيه إنه استوى على غيره؛ فإنه عال عليه: والذي أخبر الله أنه كان بعد خلق السموات والأرض "الاستواء" لا مطلق العلو، مع أنه يجوز أنه كان مستويا عليه قبل خلق السموات والأرض لما كان عرشه على الماء، ثم لما خلق هذا العالم كان عاليا عليه ولم يكن مستويا عليه؛ فلما خلق هذا العالم استوى عليه.

فالأصل أن علوه على المخلوقات وصف لازم له كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك، وأما الاستواء فهو فعل يفعله سبحانه وتعالى بمشيئته وقدرته؛ ولهذا قال فيه: ثم استوى.

ولهذا كان الاستواء من الصفات السمعية المعلومة بالخبر. وأما علوه على المخلوقات فهو عند أئمة أهل الإثبات من الصفات العقلية المعلومة بالعقل مع السمع)) مجموع الفتاوى (5/ 522 - 523)

والله ولي التوفيق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير