تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أن يكون القابل لهذه: متقدما على وجود المقبول. ثم التقدم: إن عنيت به مع الانفصال والبينونة الزمانية: ففيه نزاع وإن عنيت به المتقدم - وإن كان المقدور المقبول متصلا بالقادر القابل من غير برزخ بينهما - فهذا لا ينازعك فيه أحد من أهل الملل وجماهير العقلاء؛ بل لا ينازعك فيه عاقل يتصور ما يقول فإن المقدور الذي يفعله القادر الأزلي بمشيئته: يمتنع أن يكون قديما معه لم يتقدم القادر عليه؛ ولهذا كان العقلاء قاطبة: على أن كل ما كان مقدورا مفعولا بالاختيار بل مفعولا مطلقا: لم يكن إلا حادثا كائنا بعد أن لم يكن.

الجواب العاشر: أن وجود الحوادث شيئا بعد شيء إن كان ممكنا كانت الذات قابلة لذلك وإن كان ممتنعا امتنع أن تكون قابلة له؛ بل وإن قيل إن القبول من لوازمها فهو مشروط بإمكان المقبول فلم تزل قابلة لما يمكن وجوده دون ما يمتنع. وهذا هو:

الجواب الحادي عشر: وهو أن يقال: الذات لم تزل قابلة لكن وجود المقبول مشروط بإمكانه؛ فلم تزل قابلة لما يمكن وجوده لا لما لا يمكن وجوده.

الوجه الثاني عشر: أن يقال: عمدة النفاة أنه لو كان قابلا لها في الأزل: للزم وجودها أو إمكان وجودها في الأزل وقرروا ذلك في "الطريقة المشهورة" بأن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده. وقد نازعهم الجمهور في هذه " المقدمة " ونازعهم فيها الرازي والآمدي وغيرهما. وهم يقولون: كل جسم من الأجسام فإنه لا يخلو من كل جنس من الأعراض عن واحد من ذلك الجنس؛ لأن القابل للشيء لا يخلو منه ومن ضده؛ فلذلك عدل من عدل إلى أن يقولوا: لو كان قابلا لها لكان قبوله لها من لوازم ذاته وهذا يقتضي أن يفسر: لو كان قابلا للحوادث لم يخل من الحادث أو من ضده. فقولهم: القابل للشيء: لا يخلو عن ضده فقد يقال على هذه الطريقة: إن هذا يختص به لا بما سواه. وقد يقال: هو عام أيضا. فيقول لهم أصحابهم: ما ذكرتموه في حقه منقوض بقبول سائر الموصوفات بما تقبله فإن قبولها لما تقبله إن كان من لوازم ذاتها لزم أن لا تزال قابلة له وإن كان من عوارض الذات فهي قابلة لذلك القبول. وحينئذ يلزم إما التسلسل وإما الانتهاء إلى قابلية تكون من لوازم الذات؛ فيلزم أن يكون كل ما يقبل شيئا قبوله له من لوازم ذاته وليس الأمر كذلك فإن الإنسان وغيره من الموجودات يقبل صفات في حال دون حال. وجواب هذا: أن المخلوق الذي يقبل بعض الصفات في بعض الأحوال لا بد أن يكون قد تغير تغيرا أوجب له قبول ما لم يكن قابلا له كالإنسان إذا كبر حصل له من قبول العلم والفهم: ما لم يكن قابلا له قبل ذلك؛ بخلاف من لم تزل ذاته على حال واحدة ثم قبل ما لم يكن قابلا فإن هذا ممتنع. فالذين يقولون: القابل للشيء يجب أن يكون قبوله له من لوازم ذاته؛ إن ادعوا أن كل جسم فإنه يقبل جميع أنواع الأعراض فإنهم يقولون: هذا القبول من لوازم ذاته. ويقولون: لا يخلو الجسم من كل نوع من أنواع الأعراض عن واحد من ذلك النوع ويكون ما ذكروه - من أن القبول من لوازم ذات القابل - دليلا لهم في المسألتين؛ وإن لم يدعوا ذلك فإنهم يقولون: الأجسام تتغير فتقبل في حال ما لم تكن قابلة له في حالة أخرى ولا يحتاجون أن يقولوا القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده. والذين قالوا: إن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده. فيقال لهم: غاية هذا أن يكون لم تزل الحوادث قائمة به ونحن نلتزم ذلك وتحقيق ذلك:

بالوجه الثالث عشر: وهو أن يقال: هذا بعينه موجود في القادر؛ فإن القادر على الشيء لا يخلو عنه وعن ضده؛ ولهذا كان الأمر بالشيء نهيا عن ضده والنهي عن الشيء أمرا بأحد أضداده. وقال الأكثرون: المطلوب بالنهي فعل ضد المنهي عنه. وقال: إن الترك أمر وجودي؛ هو مطلوب الناهي القادر على الأضداد؛ لو أمكن خلوه عن جميع الأضداد لكان إذا نهى عن بعض الأضداد لم يجب أن يكون مأمورا بشيء منها؛ لإمكان أن لا يفعل ذلك الضد ولا غيره من الأضداد. فلما جعلوه مأمورا ببعضها: علم أن القادر على أحد الضدين لا يخلو منه ومن ضده وحينئذ فإذا كان الرب لم يزل قادرا: لزم أنه لم يزل فاعلا لشيء أو لضده؛ فيلزم من ذلك أنه لم يزل فاعلا وإذا أمكن أنه لم يزل فاعلا للحوادث أمكن أنه لم يزل قابلا لها. ويمكن أن يذكر هذا الجواب على وجه لا يقبل النزاع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير