والإجماع بالإجماع الأورثوذوكسي، وهكذا.
وفي كتابه (تاريخية الفكر العربي الإسلامي) يتكلم عن المصادر الفقهية الأربعة الكتاب والسنة والإجماع والقياس بما هو من كلام الملاحدة. فهو يشكك بالكتاب في صحته وفي مصدره أيضاً، ويرى أن السنة ليست إلا اختلاقا مستمرا فيما عدا بعض النصوص القليلة.وأن الإجماع مبدأ نظري طبق على بعض المسائل الكبرى مثل الصلاة، والاحتفال بعيد النبي!! وأما القياس فهو – في رأيه – حيلة كبرى أتاحت شيوع ذلك الوهم الكبير بأن الشريعة ذات أصل إلهي، يحل المشاكل الجديدة؛ ليتم تقديس كل القانون المخترع (33).
وعلى هذا فمن الصعب أن يُعَدَّ مثل هذا الطرح داخلاً في مجال بتجديد أصول الفقه إذ هو لا يعتدّ بهذه الأصول حتى يجددها، وما يبديه من رأي هو نسف وإلغاء لها، وقلب حقيقة الشريعة، من أنها مصدر إليهي إلى أنها اجتهاد بشري.
وهذا يؤكد ما ذكرناه من أنه لا توجد أرضية بيننا وبينه، يمكن أن يرجع إليها عند الاختلاف والاحتجاج، وحينئذ ليس هناك إلا العقل الذي يلجأ إليه لإثبات الألوهية والنبوة، وصحة الرسالة، وهذا ليس موضوع البحث.
أما الدكتور حسن حنفي فإنه صريح، كما هو محمد أركون، لكنه يعلن أنه صاحب قضية، وصاحب فكر شيوعي، يهدف إلى تهديم بناء الدين الذي مر عليه خمسة عشر قرناً وهو يبنى. الدكتور حسن حنفي أستاذ جامعي،يرى في كتابه (التراث والتجديد) أن الدليل النقلي الخالص لا يمكن تصوّره، لأنه لا يعتمد إلا على صدق الخبر سنداً، أو متناً، وكلاهما لا يثبتان إلا بالحس والعقل طبقاً لشروط التواتر. فالخبر وحده ليس حجة، ولا يثبت شيئاً، على عكس ما هو سائد في الحركة السلفية المعاصرة، من اعتمادها شبه المطلق على (قال الله) و (قال الرسول)، واستشهادها بالحجج النقلية، وحدها، دون إعمال الحس والعقل، وكأن الخبر حجة، وكأن النقل برهان (34).
والغريب أنه يرى أن الشريعة الإسلامية، أو ما يسميه بالإيمان السلفي، أخطبوط كبير، وأنه يهدف إلى تحجيمه. يقول: ونحن منذ فجر النهضة العربية الحديثة وحتى الآن، نحاول أن نخرج من الإيمان السلفي، إلا أنهم أطول باعاً في التاريخ منّا، وأكثر رسوخاً، ووراءهم تراث حضاري ضخم، ونحن الأقلّية، كيف نستطيع أن نحجم هذا الأخطبوط الكبير (35).
وقال إنه شيوعي ماركسي، وأنه يرى أن النقد سلبي وليس إيجابياً، أي أنه يبدؤه بالهدم لعوائق التقدم، أي للدين. وأنه إذا استطاع ذلك فإنه سيسلم المجتمع العربي إلى إخوته العلمانيين، لكي يبنوه إيجاباً. ويقول: أنا ماركسي شاب، وهم ماركسيون شيوخ (36).
وإذا كان حسن حنفي، كما قال، ماركسياً فهو ملحد كافر يؤمن بالمادية الدايلكتيكية (الجدلية). يقول ستالين في كتاب المادية التاريخية المترجم للعربية من قبل عزيز شريف ومن قبل خالد بكداش، رئيس الحزب الشيوعي السوري، أيضاً: إن كلام الفيلسوف اليوناني القديم ديمقريطس: إن العالم كان وما زال يشتغل بنظام وسيتجمد بنظام لم يخلقه إلاه. ولم يوجده إنسان، هو عرض رائع لأصول المادية الدايلكتيكية. فإذا كان هذا هو واقع الدكتور حسن حنفي فما هي جدوى الكلام معه في أصول الفقه أساساً، وهو لا يؤمن بالفقه ولا بأصوله؟
فإذا لم يحتج بالقرآن نفسه ولا بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – ويسخر ممن يقول (قال الله) و (قال الرسول). فبماذا نحجه؟ وكيف لمثله أن يتحدث عن أصول الفقه؟ فالنوايا ليست هي تجديد أصول الفقه، بل إلغاء كل ما هو نقلي وشرعي،والاعتماد على العقل والواقع في تقرير الأحكام،شأن محمد أركون.
هذا ومن الجدير بالذكر أن نذكر إن من تعرضنا إليهم هم عينات في اتجاهات فكرية تعيش في المجتمع الإسلامي يتمذهب بها كثيرون. ولعل لأراء طائفة من المستشرقين اليهود والنصارى كجولد تسهير، ويوسف شاخت، ومرجليوث وغيرهم في الأصول التي بني عليها الفقه أثراً في أفكار هؤلاء.
والآن نسأل هل علم أصول الفقه غير قابل للتجديد بالمعنى الذي نفهمه في التجديد؟ وهل أصبح حصناً مغلقاً لا يمكن اقتحامه؟ هذا ما لم أقله، ولست أراه. ومن الممكن أن تكون الخطوات الآتية مما تسهم في هذا المجال:
¥