تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وانكم لتعلمون ايضا ان النصوص الشرعية في مجال الحياة العامة أقل عددا وأوسع مرونة وهي نصوص مقاصد أقرب منها الى نصوص الاشكال. فلا تجد في باب الامارة مثلا ما تجده في الصلاة من أحكام كثيرة منضبطة ولا تجد في الاقتصاد ما تجده في الطهارة او النكاح. وقد قدمنا ان هذا الجانب من الفقه المعني بمقاصد الحياة العامة ومصالحها قد عطل شيئا ما بسبب الظروف التي اكتنفت نشأة الفقه وتطور الحياة الاسلامية. ولا غرو اذا ان نكون المفهومات الاصولية التي تناسب هذا الجانب قد اعتراها الاغفال وعدم التطور ايضا. وحينما كانت حياة الاسلام شاملة وكانت الممارسات الاقتصادية والسياسية العامة للمجتمع ملتزمة بالدين نشطت قواعد الاصول التي تناسبها.

من تاريخ منهج الاصول

كان أشهر عهد تشريعي رعى مصالح الامة العامة رعاية شاملة بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولئن لم يكن الامام عمر قد اتخذ لنفسه منهجا أصوليا معلنا في تشريعاته فان لنا ان نستبط من اجتهاداته المختلفة منهجا معينا يتسم بالسعة والمرونة. وبالرغم من ان التابعين وفقهاء المدينة قد ورثوا من ذلك المنهج سعة الاصول فان التاريخ الفقهي اللاحق لم يشهد تطورا لتلك الاصول بل تعطلت تلك الاصول كما تعطلت الحاجات التي اتخد المنهج من أجل الوفاء بها. وفي مذهب مالك بعض تلك الاصول العمرية ولك، مالكا وتلامذته لم يكونوا أولياء امر مسئولين عن رعاية مصالح الامة وساستها بالشرع فلم يستعملوا اصول المصالح بعد أن قرروها وآلت الى التعطيل الكامل. ولا سيما ان الحياة بالمدينة - بعد انتقال مركز النشاط العام عنها - ظلت ضيقة جدا وما اتسعت او تشبعت بما يستدعي الفقه اصوله من الاتساع لاستيعاب المشكلات العامة مع القضايا الفردية.

اما في مناطق حدود الاسلام في العراق حيث دخل في الملة اقوام شتى وقامت حضارة اعمر من حضارة المدينة طرحت اقضية ومشكلات اكثر فبالرغم من ان المنهج الاصويل ظل منهجا فروعيا وان الذين توالوا تطوير الاحكام فقهاء من الرعية ولم يكونوا من المسئولين عن مصالح الرعية العامة الا في مدى محدود «كقضاء ابي يوسف وفقهه» وبالرغم من ذلك اتسع النهج ليسع الحضارة ومشكلاتها واستعملت اصول هي أقرب للوفاء بتلك المشكلات. وهكذا اتسع الفقه العراقي في استعمال العقل والقياس والاستحسان أوسع مما استعمل في المدينة حيث القياس مقبول ولكن الحاجة اليه أدنى. سوى ان القياس الذي استعمل كان قياسا محدودا جدا تضبطه معايير ضيقة اذا استثنينا بعض أبواب الاستحسان وهو الاصل الذي ما انفكت تحاصره المجادلات الفقهية حتى أردته في مهده، وساعد في ذلك ان الحياة الاسلامية التي كانت مزدهرة في عهد أبي حنيفة أخذت تتجمد شيئا فشيئا وما كان لما يوازيها من الجوانب الخصبة الواسعة في التفكير الاسلامي الا ان تتجمد ايضا. والاستثناء الآخر هو ما قدمنا من تولي أبي يوسف القضاء ولكونه قاضيا اضطر ان يعالج بعض القضايا المالية العامة واحتاج في ذلك ان يستعمل ادوات فقه أرحب وأوسع.

وخلاصة القول ان فقهنا الاصولي القديم بعد نهضة حميدة آل الى الجمود العقيم بأثر انحطاط واقع الحياة الدينية نفسها فلم يتطور ولم يولد فقها زاهرا بعد تمامه فنيا. وتجدر الاشارة في هذا السياق الى فقه ابن حزم وهو رجل ذو صلة واسعة بالسياسة وبالحكم وبالقضايا الاجتماعية العامة فلا غرو ان نجد في منهجه الاصولي شيئا من أسلوب واسع هو الاستصحاب الذي فتح بابا لتطوير الفقه بالرغم من التزام ابن حزم بالمنهج الظاهري في تفسير النصوص.

الاصول وحاجتنا للاجتهاد

ان القضايا التي تجابهنا في مجتمع المسلمين اليوم انما هي قضايا سياسية شرعية عامة اكثر منها قضايا خاصة. ذلك اننا نريد ان نستدرك ما ضيعنا في جوانب الدين، والذي عطل من الدين اكثره يتصل بالقضايا العامة والواجبات الكفائية. وأكثر فقهنا من ثم لايتجه الى الاجتهاد في العبادات الشعائرية والاحوال الشخصية فتلك امور يتوافر فيها فقه كثير ويحفظها المسلمون كثيرا ولو ضيعوها أحيانا لا يضيعونها اعتقادا ولايغفلون عنها غفلة كاملة. اما قضايا الحكم والاقتصاد وقضايا العلاقات الخارجية مثلا فهي معطلة لديهم ومغفول عنها. والى مثل تلك المشكلات ينبغي ان يتجه همنا الاكبر في تصور الاصول الفقهية واستنباط

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير