تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مناسبا وثقوا فيه ثقة مناسبة، ومن رأوا عنده علما كثيرا وصدقا في الالتزام اولوه ثقة كبيرة واتخذوه اماما مقدم الرأي، ومن لاحظوا زهادة علمه او قلة اخلاقه سمعوا قوله واستخفوه او اهملوه. وقد ينظم المجتمع أحيانا ضوابط شكلية مثل الشهادات ليكون حمل شهادة الجامعة مثلا امارة لاهلية بدرجة معينة وحمل الشهادة الاعلى ايذانا باستحقاق ثقة أعلى وهكذا. وربما يترك الامر أمانة للمسلمين ليتخذوا باعرافهم مقاييس تقويم المفكرين.

ومهما تكن المؤهلات الرسمية فجمهور المسلمين هو الحكم وهو أصحاب الشأن في تمييز الذي هو أعلم وأقوم وليس في الدين كنيسة او سلطة رسمية تحتكر الفتوى او تعتبر صاحبة الرأي الفصل فالامة التي لا تجمع على ضلالة هي المستخلفة صاحبة السلطان تضفي الحجة الملزمة على ما تختار من الاراء المتاحة ولكل فرد فيها ان يشارك في تطوير رأي الجماعة بنصيبه من العلم وعليه ان يحصل لنفسه علما خاصا بقدر ما يمكنه من تمييز ما هو معروض في سوق العلم. وان لم يكن للسلطة العامة في المجتمع ان تقنن ذلك فان لها ان تقنن نهضة العلم والفكر بتنظيم وتيسير التأهيل والاجتهاد وتأسيس معاهد للبحث بدلا من ان يترك كل متعلم يحاول التحصيل ويطمع في الاحاطة بكل علوم الشريعة واللغة والعلوم الحديثة لا سيما ان مدى ما ينبغي الاحاطة به من علوم التراث والعصر اصبح معجرا للفذ من العلماء. ولا يستطيع العالم ان يخوض في الاجتهاد دون ان يلم بعلوم الشريعة ولا ان يعبر عن نفسه دون معرفة اللغة وما لم يعرف علوم الاحصاء لايستطيع ترجيح رأي في الطلاق على رأي اخر باستقراء مدى النتائج التي تؤدي اليها فتواه وخطورتها وأثرها على سلامة الامة واستقرارها وعلى سائر مصالح المجتمع. فسيدنا عمر رضي الله عنه لما عرف في كثرة الحلف بالطلاق اثرا معينا على الالتزام والعهد امضى في المسألة حكما غير الذي كان معهودا. وبغير الاقتصاد مثلا لا يتمكن الناظر من تقرير رأيه في الحاجة للنفقات في قوانين الاحوال الشخصية او في مداها فضلا عن الافتاء في الاوضاع والاحكام المالية في الدولة الاسلامية.

وانه لجد عسير على مجتهد او مفكر واحد ان يلم بكل هذه العلوم من تلقاء كسبه الخاص ولا بد للدولة من أن تقيم معاهد للبحوث يتعاون فيها العلماء فيأتي كل واحد متخصص بنصيب من العلم. ولا بد للدولة من الجامعات لتؤهل المتعلمين وترتب الشهادات بما يمكن الناس كما قدمنا من تمييز أهل الفقه ودرجاتهم لاعلى وجه الالزام بل النصح للرأي العام.

التقنين

وعلى الدولة أخيرا حين تصدر الآراة والمذاهب ان تعقد الشورى وتقنن الآراء والاحكام المعتمدة، بل عليها ان تحتاط لذلك التقنين والتدوين تنظيما مسبقا لحياة المجتمع الرشيد واذا كان النمط التقليدي هو ايكال امر تطوير الاحكام للفقهاء الذي ينتظرون الحادثات والمسائل ليستنبطوا لها المعالجات والفتاوى، فشأن المجتمع الرشيد الذي يتخذ لحركته وجهة مقررة ولا يركن الى العفوية والتجريدية ان يخطط نظامه القانوني ما أمكن. والواقع ان المسلمين قديما لما توافر لهم كسب كثير من الفتاوى والفقه أخذوا يرتبون الاحكام في مدونات ليست كتبا فقهية تورد الادلة الشرعية وتعالج وجوه النظر من حواشي الايضاح والاستدلال وتحرر في لغة واضحة تخاطب الافهام بشيء من البرود وهذه المصنفات اشبه شيء عندنا بالمدونات القانونية الحديثة فيها معنى وضوح الاحكام لمن يريد الاطلاع عليها وفيها ما يعيب هذه المدونات الحديثة من تجريد الاحكام فما ينبغي وصلها به من الاسناد الى اصول النصوص وربطها بنظام الشريعة ومقاصدها ووصلها بالعامل الاخلاقي في الدين حافزا ووازعا. فالنشاط الفقهي ينبغي ان يظل حرا مباحا ولكن الامم لابد لها من سلطان عام يرعى تنظيمه وتوظيفه لتوجيه المجتمع وضبط حركته.

الحركة الفقهية من طور التجميد الى التجديد الخوف من الحرية

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير