تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذه الروح في تربيتنا الدينية لا بد من أن تتجاوزها الآن ولا نتواصى اليوم بالمحافظة بل لا ينبغي اطلاق الدعوة الى الاعتدال لاننا لو اعتدلنا نكون قد ظلمنا ولم اقتصدنا نكون قد فرطنا. فالمطلوب ان نتلقى اليوم من حصة الكلام كل منبهة منعشة منشطة وان نشيع من الدين ما يناسب المقام وما يقتضي الحال كالتدبر والاجتهاد والتبليغ والدعوة. واني لا اتخوف على المسلمين كثير من الانفلات بهذه الحرية والنهضة فالحس الاسلامي في تاريخه القديم استقام في وجه كل الابتلاءات والفتن الفكرية التي ابتلاه الله سبحانه وتعالى بها فحاصرها وتجاوزها بل تجده من تلقاء النفس يراعي التحفظات اللازمة. فما كان ثمة من قانون شرعه الله او وضعه سلطان يلزم المسلمين بالاقتصادر على بضعة مذاهب بعينها ولكن هم الذين تراضوا على ذلك عرفا وعفوا بغير أوامر. فالمسلمون - حسب عبرة تاريخهم - يتحلون في أمر تنظيم صفوفهم بوعي لا بأس به حتى ايام كانوا محرومين من نظام الدولة الواعية الراعية، ولا ينقص المسلمين ذلك كما ينقصهم ان دواعي النهضة لم تكن متوافرة. وهكذا استمرت فترتهم بعد النهضة الاولى قرونا طويلة. وقدر التاريخ كله ان الايام تكون دولا وان الله يبتلي الناس فيؤخرهم ليتقدموا استجابة للابتلاء. فاذا انتابتهم دورة فقر وتخلف اقتصادئي فأسعفهم الايمان قالوا لينيروا الارض ويعمروها واذا هضم حقهم او سلبت ارضهم في دورة ذل قاموا ليقبلوا الدورة بجهاد جديد مستنصر بالله.

والمسلمون في جملتهم قد أعقبوا كل نكسة بنهضة وما هبطت حياتهم الدينية في بلد الا تناهضوا وبارك الله لهم في بلد آخر من الحجاز الى الشام الى العراق ومن الشرق الى الغرب والاندلس ومن الشرق في الهند وفي بلاد العرب وفي افريقيا الى القرن الاخير ولكن الخط البياني العام ما ينفك منحدرا منذ زمان الى يومنا هذا. ولا بدن من ان نتعظ بتاريخ نهضتنا المتعثر ونفي بحاجات التحدي الذي يجابهنا اليوم ويكاد يجتاح ذاتيتنا الفكرية والحضارية ولابد من ان نضاعف الاجتهاد لاستكمال تصور ما يقضيه عليها الدين ونضاعف الجهاد لنمكن ذلك التصور في العمل والواقع ولا يمكن لجيلنا ان يتكل على اجتهادات الغير ومجاهداتهم وحدها فقد أدوا واجب الدين فيما يليهم من زمان وظروف وعلينا ان نؤدي ما يلينا ويلزمنا. لذلك ينبغي التركيز في دعوتنا للناس وكلامنا للمسلمين على دواعي الجهاد لا سيما بالنسبة للبلاد التي تجاوزنا فيها مرحلة الدعوة العامة لنظام الاسلام او التي يتمكن فيها الاعتقاد العام بحق الناظم الاسلامي. ففي مرحلة الدعوة الاولى في قرننا كانت أصول الدين الاساسية ذاتها غير مقبولة، وكان المتسلطون على المجتمع ينكرون ان يسود الاسلام على الملوك وعلى البنوك. اما اليوم فاننا نستشرف في مواضع كثيرة عهود تحكيم الاسلام وتنزيليه من تجريد العمومات الى ارض الواقع تفصيلا وتدبيرا ولا غنى لنا اليوم من اجتهاد يكون واسعا وكبيرا جدا كما قدمنا ويغلب كما قدمنا - ايضا - ان يتجه هذا الاجتهاد الى جوانب الحياة العامة التي أهملت من قبل لاننا في أبواب الشعائر مثلا يمكن ان نكتفي بالمادة الفقهية الموجودة بغير حرج كبير ما عدا طريقة التقديم وانما يتجه جهدنا الاكبر لجوانب الحياة العامة ولتطوير الاصول الفقهية التي تناسبها بدءا من الاصول التفسيرية الى الاصول الاجتهادية الواسعة.

التحديات الخارجية والداخلية

ويجابهنا في سبيل النهضة بفقه الدين تحد خارجي وهو اننا في الاستعانة على عبادة الله فكرا واجتهادا بكل ما كسب البشر من علوم قد نقع في اسر الغزو الثقافي فتتغير معاييرنا من حيث لا نشعر وهذا خطأ نبه اليه كثيرون ولا حاجة بي للاستفاضة في بيان مغازيه واننا ايضا نجابه تحديد داخليا من تلقاء مجتمعنا المسلم مما لم ننتبه اليه ونتعلم كيف نعالجه فمجتمعنا يقوم بمفهومات واعراف وصور تقليدية يؤمن انها تمثل الدين ويغار من أدنى مساس بها، وعندما نحاول تجديد التدين وتبديل صورة الحياة الاسلامية الموروثة فمؤكد ان يثور المجتمع التقليدي بتصوراته وأوضاعه وما عهد من مذاهب وطرق اضفى عليها التراث قداسة وأضافها الى جوهر الدين الباقي ولابد من ان نتهيأ لنتعامل مع هذا التحدي كما نتهيأ للتحدي الغريب. فنظام الاسلام التقليدي المتمكن في كثير من البلاد المعروفة يشكل اوضاعا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير