وهذه آراء علي عبد الرازق وسادته من المستشرقين الحاقدين نفسها.
لقد كان منصب الخلافة شوكة في حلوق أعداء الإسلام، وهدفاً طالما تحالفوا لإسقاطه، وتمزيق ديار المسلمين، وها هم تلامذة اليهود والنصارى ينادون بما خطط لهم سادتهم، والويل والصَّغار للمرْجفين.
3 - دعوتهم الصريحة إلى علمانية الحكم:
يصرح بعض العصرانيين بحقيقة دعوتهم في الحكم وفصل الشريعة عن قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويدعون إلى علمانية مصبوغة بمفهومهم عن الإسلام.
فالدكتور حسن حنفي يرى أن العلمانية هي أساس الوحي ويقول: "العلمانية هي أساس الوحي؛ فالوحي علماني في جوهره، والدينية طارئة عليه من صنع التاريخ" (8).
ويقول الدكتور محمد عمارة: "أما إسلامنا فهو علماني، ومن ثم فإن مصطلح العلمانية لا يمثل عدواناً على ديننا، بل على العكس يمثل العودة بديننا إلى موقفه الأصيل" ويقول: "فالسياسة والحكم والقضاء وشؤون المجتمع ليست ديناً وشرعاً يجب فيها التأسي والاهتداء بما في السنة من وقائع؛ لأنها عالجت مصالح هي بالضرورة متطورة ومتغيرة" (9).
إذا لم تكن العلمانية هي ما يقوله العصرانيون فماذا ستكون؟! فهم بفصلهم الدين عن شؤون الدولة والحياة، يدعون إلى علمانية قد يسمونها إسلامية، ولكنها في الحقيقة أشد بعداً عن الدين من العلمانية اللادينية؛ لأن هؤلاء يخدعون العامة باسم الإسلام، وتحت أسماء: "المفكر الإسلامي، الداعية الإسلامي، العقلاني المستنير".
ويريد هؤلاء الكتاب حكماً علمانياً، وفي أحسن أحواله ديمقراطياً برلمانياً على طريقة الغرب في أن يكون للأمة حق التشريع. رغم أن واقع الديمقراطية الغربية يشهد بإفلاس شعاراتها عند التطبيق، كما يريد بعضهم حكماً اشتراكياً يسارياً، باسم اشتراكية الإسلام أو اليسار الإسلامي (1).
ويقول محمد فتحي عثمان: "واليسار المسلم يتمسك بالديمقراطية؛ إذ هي حكم الله في المصالح والعلاقات الإنسانية؛ حيث لا يكون النص الإلهي الملزم القاطع" (2).
والحقيقة: "أن الفاصل بين العصرانيين والعلمانيين ـ إن وجد ـ دقيق جداً، وكأنهما وجهان لعملة واحدة، واسمان لمسمى واحد. وقد استفاد العصرانيون مما واجهه العلمانيون من استنكار، فراحوا يغيرون ويبدلون في المسميات، ويبحثون عن الشبه والزلات، ليلبسوا العلمانية ثوباً إسلامياً مزوراً، ويضفوا عليها صفة الشرعية، ويتمكنوا من التمويه على العوام، والتلبيس على أهل الإسلام ولو إلى حين" (3).
إن تنحية الشريعة عن شؤون الحياة من أخطر وأبرز مظاهر الانحراف في مجتمعات المسلمين الحديثة؛ وإلاَّ؛ فما الفرق بين قول قريش في جاهليتها: يا محمد! اعبد آلهتنا سنة ونعبد آلهتك سنة، وبين قول العلمانيين ـ لفظاً أو واقعاً ـ: نعبد الله في المسجد، ونطيع غيره في المتجر أو البرلمان أو الجامعة؟!
وفي هذا الصدد يقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ـ رحمه الله ـ: "إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين" وقال ـ رحمه الله ـ: "من اعتقد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكم الرسول صلى الله عليه وسلم وأتم وأشمل لما يحتاجه الناس من الحكم بينهم عند التنازع، إما مطلقاً أو بالنسبة إلى ما استجد من الحوادث التي نشأت عن تطور الزمان وتغير الأحوال، فلا ريب أنه كفر" (4). وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في (منهاج السنة): "ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر؛ فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر".
ومن الخطأ أن تنقل تجربة غريبة هجينة في التصور والاعتقاد إلى ديار المسلمين.
"إن الغلطة من الأصل هي محاولة وضع الإسلام وتطبيقاته على ميزان التجربة الأوروبية، واستخدام المصطلحات الغربية ذات الدلالات المحلية البحتة، كأنها اصطلاحات عالمية تصلح للتطبيق على أي شيء، وفي أي مكان، دون النظر إلى الفروق الجوهرية بين الاصطلاحات التي وضعها البشر في ظروف معينة، والمصطلحات التي أنزلها الله لتحكم الحياة، أو اجتهد المجتهدون بها، وهم ملتزمون بما أنزل الله" (5).
ولقد تميزت العصرانية بتبني الآراء الشاذة، والأقوال الضعيفة، واتخاذها أصولاً كلية الهدف منها عند أصحابها هدم القديم أكثر من بناء أي جديد؛ إذ دأبوا على محاولاتهم لتطويع الإسلام بكل وسائل التحريف والتأويل كي يساير الحضارة الغربية فكراً وتطبيقاً، ومن أجل ذلك دعوا إلى التقريب بين الأديان والمذاهب، وهوَّنوا من أمر الجهاد وقصروه على جهاد الدفاع فقط، ولكن الله غالب على أمره، والعاقبة للمتقين.
مجلة البيان عدد 146
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[20 - 05 - 03, 01:39 ص]ـ
أخي أبا حاتم وفقه الله،
كنت وعدتكم بأن أقوم بنقل بعض ما احتوت عليه رسالة الدكتوراه (محاولات التجديد في أصول الفقه ودعواته – دراسة وتقومياً) للدكتور هزاع بن عبدالله الحوالي.
وقد قمت فعلاً بتصوير المطلوب بعد ذلك بيومين فقط. ثم وضعهتا أمامي منذ ذلك التاريخ إلى الآن، ولم أستطع أن أقوم بذلك إلى الآن، لانشغالي بملتقى أهل التفسير فسامحني وفقك الله.
فلو بعثت لي برقم فاكسك مثلاً لبعثتها إليك مباشرة. وأعتذر لك. وفقك الله. ولعلك أنت بدورك تقوم بتلخيصها للإخوة المشاركين ففيها كلام نفيس، ونتائج جديرة بالعناية.
وبالنسبة لسؤال الأخ النجدي عن المناقشين للرسالة فعلى حد علمي أن الذي أشرف على الرسالة هو الدكتور الكريم أحمد سير مباركي محقق كتاب العدة لأبي يعلى.
وناقش الرسالة كل من الدكتور يعقوب الباحسين من كلية الشريعة في الرياض.
والدكتور حمزة الفعر من جامعة أم القرى.
ويمكن الاطلاع على الرسالة في مكتبة قسم أصول الفقه بكلية الشريعة بالرياض. وربما لا يأذنون لغير أعضاء هيئة التدريس بدخولها حسب ما رأيت منهم، وقد بلغني الأخ سعد الله الحوالي أخو الشيخ سفر وقريب الدكتور هزاع أنه سيطبعها هزاع قريباً أو أنها طبعت وستكون في المكتبات قريباً.
وفقكم الله جميعاً.
¥