ـ[الصديق]ــــــــ[27 - 01 - 06, 08:01 م]ـ
(تتمة من نفس الكتاب)
مقدمة تمهيدية
للنقاش
قبل مناقشة هذا الذي مضى ذكره يجب إبانة مابين دعاة التجديد في هذا الذي نحن فيه من فرق أو فروق، إذ هم ليسوا على سنن واحد، فمرام بعضهم على ما يظهر الإصلاح، و مرام الآخر الإفساد و الفساد، و بذلك فهم على صنفين:
الأول: أهل الإصلاح الذين يتشوفون إلى إعادة الجدة إلى فن الفقه الإسلامي و أصوله بإيقاظ الهمم، و تسليطها على بحث مسائل هذين الفنين، ووجوه النظر و الإستدلال فيهما، وبذل قصارى الجهد بالأساليب المفضية إلى استنباط أحكام الوقائع بالتفصيل،و الإلتفات إلى أمور استجدت يخيل لذي النظر في أمر الإجتهاد و بناء الفروع على الأصول أنها إذا اقترن إعمال النظر في القضايا الفقهية الاجتهادية بمعرفتها و الاطلاع على ما انطوت عليها من معلومات، سيهتدى بها إلى إدراك المطلوب –وهو الحكم الفقهي- بتمام نظر، وكمال تصور.
و ماكان التجديد في أمر الفقه و أصوله أمرا بدعا، و لاشيئا غريبا في دين الاسلام، إذ ليس أمر التجديد فيها إلا جزءا من تجديد الدين الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه أنه جار مستمر تتواصل وقوعه، و يظهر في وقته.
ونص ماذكره عليه الصلاة و السلام -: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد أمر دينها ". و هذا الحديث أصل في هذا الموضوع، و دليل لا يبقي في نفس المؤمن ما يخالطها أو يمكن أي يخالطها من ريبة و شك في هذا الأمر.
......... و بذلك تجد بعض المذاهب –كمذهب مالك- تحتوي على أغلب ما في المذاهب الأخرى من أقوال، فهذا المذهب (مذهب الإمام مالك) يضم من أقوال الأئمة المالكية المختلفة ما به يظهر كأنه قد استوعب ما في المذاهب الفقهية الأخرى من آراء إلا قليلا منها و ما حصل هذا إلا بسبب اجتهاد العلماء الذين ينضوون تحت هذا المذهب، فإن استبان لهم رجحان حكم فقهي ما، أخذوا به، و اختاروه، ثم أودعوه في كتبهم، و فتاويهم، و صار رأيا فقهيا داخل المدهب و إن خالف أصوله (أصول ذلك المذهب).
و ما أمر ابن رشد الفقيه و اللخمي و المازري و سحنون و ابن بشير و ابن عرفة و البرزلي، و القاضي عبد الوهاب و القاضي إسماعيل و القرافي و الإبياري، وابن الشاط و ابن البناء،و الحطاب و ابن عبد البر و غيرهم ممن يطول ذكرهم في شأن التجديد بأمر يخفى على كل من نظر في كتب الفقه المالكي، و إن كان ذلك لا يرتقي إلى درجة التجديد العام المطلق، الذي تشرئب إليه النفوس.
و إذا أجريت نظرك في أصول الفقه و تأملت الأطوار التي تقلب فيها، و العقول التي تمد بحره بنتاجها ألفيت أن تلك العقول منثورة على طول الأرض و عرضها ..........................
ومن رام التفصيل في هذا الأمر، فليقف على جنى أعلام هذا الفن بادئا بالإمام الشافعي ثم الصيرفي ثم الباقلاني، و القاضي عبد الجبار، ثم أبو عبد الله البصري، ثم ابو الحسين البصري، ثم الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، ثم الصيمري، ثم ابن عقيل الحنبلي، و ابن قدامة، ثم السبكي، و ابن تيمية، ثم ابن القيم و قبلهم ابن حزم، و إمام الحرمين، ثم الأبياري المالكي، ثم القرافي، و الأصفهاني، و الرازي، ثم ابن الحاجب، ثم التفتازاني .... (لم أرتبهم على حسب عصورهم، و إنما أوردتهم على حسب التذكر)، إلى أن تصل إلى عصرنا.
و أما من ادعى أن هؤلاء مجترون نتاج من سبقهم، فإنه مفتر الكذب، خلو من التحصيل، لا اطلاع عنده بما حوته مؤلفات هؤلاء الأعلام من المسائل التي استنبطوها، و النظريات التي أبدعوها في حل ما اعتاص من أمور في هذا الفن العظيم. و ما عمل ابن حزم و ابن عبد السلام و إمام الحرمين و القرافي ومن شابههم في هذا الامر بالذي يخفى على من نظر في هذا العلم.
و أحوال الزمان و الناس هي التي تثير في نفوس أهل العلم ما يغريهم على التصدي لما يظنون أنه يؤدي إلى الإصلاح و الصلاح للأحوال و القلوب.
¥