وهذا التعريف يشمل الخبر الصحيح وغيره، إلا أن المراد هنا بخبر الآحاد أو الواحد:- هو الخبر الصحيح المروي عن رسول الله r بعدد من الرواة لا يبلغ عددهم حد التواتر.
وأما الحديث عمَّا يفيده خبر الواحد فسيأتي في موطنه – إن شاء الله –.
المبحث الثاني: في منزلة السنة عند الشارع وسلف الأمة وأئمتها.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في منزلة السنة عند الشارع. وفيه أربع مسائل:-
المسألة الأولى: في منزلة السنة في كتاب الله.
للسنة منزلة عظيمة عند الله وعند رسوله r فهي وحي من الله لرسوله كالقرآن إلا أن الفرق بينها وبين القرآن أن القرآن لفظه ومعناه من الله، والسنة معناها من الله ولفظها من رسول الله r .
وهي مصدر للتشريع ككتاب الله. فالقرآن هو الأصل الذي حوى القواعد الكلية الأساسية من أمور العقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات وغيرها، والسنة هي البيان الحقيقي والشرح الدقيق لما أُحتيِجَ فيه من القرآن إلى تبيين.
فمن رام العمل بالقرآن وحده دون الرجوع إلى السنة - ولا سيما السنة الآحادية لكثرتها وقلة أو ندرة المتواتر منها - فقد كذب، بل هو - في الحقيقة - منسلخ من الإسلام ساعٍ في هدمه، مستهزئ به وبأهله.
وقد دل على حجية السنة - متواترها وآحادها، وأنها المصدر الثاني من مصادر التشريع،وأن الواجب على من انتسب إلى الإسلام والإيمان وجوب الرجوع إليها في كل شيء - الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، والعقل الصريح، والنظر الصحيح.
ولقد جاءت آيات كثيرات تدل بدلالات مختلفة ومتنوعة على أن السنة وحي من الله يجب على المكلفين اتباعها والرجوع إليها، وليس لأحد الخيرة في تركها أو الإعراض عنها.
من ذلك:-
قوله تعالى:-) وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ((النجم 3،4) فهذه الآية عامة في جميع ما ينطق به النبي r .
قال ابن حزم ([10]) –رحمه الله -:- (فصح لنا بذلك أن الوحي ينقسم من الله عز وجل إلى رسوله r على قسمين:-
أحدهما:- وحي متلو مؤلف تأليفاً معجز النظام وهو القرآن.
والثاني:- وحي مروي منقول غير مؤلف ولا معجز النظام ولا متلو لكنه مقروء، وهو الخبر الوارد عن رسول الله r وهذا القسم هو المبين عن الله عز وجل مراده منا. قال تعالى:-) لتبين للناس ما نزل إليهم ((النحل 44) ووجدناه تعالى قد أوجب طاعة هذا الثاني كما أوجب طاعة القسم الأول الذي هو القرآن ولا فرق فقال تعالى:) أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ((التغابن 12) فكانت الأخبار التي ذكرنا أحد الأصول الثلاثة التي ألزمنا طاعتها في الآية الجامعة لجميع الشرائع أولها عن آخرها، وهي قوله تعالى:-) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ((النساء 59) فهذا أصل، وهو القرآن.
ثم قال تعالى:-) وأطيعوا الرسول ((النساء 59) فهذا ثانٍ وهو الخبر عن رسول الله r ، ثم قال تعالى:-) وأولي الأمر منكم ((النساء 59) فهذا ثالث وهو الإجماع المنقول إلى رسول الله r حكمه، وصح لنا بنص القرآن أن الأخبار هي أحد الأصلين المرجوع إليهما عند التنازع، قال تعالى:-) فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ((النساء 59).
قال علي:- والبرهان على أن المراد بهذا الرد إنما هو إلى القرآن والخبر عن رسول الله r ؛ لأن الأمة مجمعة على أن هذا الخطاب متوجه إلينا وإلى كل من يخلق ويركب روحه في جسده إلى يوم القيامة من الجنِّة والناس كتوجهه إلى من كان على عهد رسول الله r ، وكل من أتى بعده عليه السلام وقبلنا ولا فرق، وقد علمنا علم ضرورة أنه لا سبيل لنا إلى رسول الله r ...
والقرآن والخبر الصحيح بعضها مضاف إلى بعض، وهما شيء واحد في أنهما من عند الله تعالى، وحكمهما حكم واحد في باب وجوب الطاعة لهما لما قدمناه آنفاً في صدر هذا الباب) انتهى كلامه مختصراً.
المسألة الثانية: في منزلة السنة في السنة النبوية.
كما دل الكتاب الكريم على حجية السنة ووجوب العمل بها والانقياد لها ظاهراً وباطناً سراً وعلانيةً، وعدم رد شيء منها، فقد دلت السنة النبوية على ذلك كله. من ذلك:-
أ-قوله r :- ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا يا رسول الله: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) ([11]).
¥