ولم يكن أحد أكثر حباً لسنة المصطفى والعمل بها والحض عليها والتمسك بها والتحذير من مخالفتها من الصحابة رضي الله عنهم فقد أشتهر عنهم ذلك شهرةً لا تخفى على أحدٍ، وتواتر عنهم تواتراً لا يُدفع في مواقف كثيرة جداً فاقت العد والحصر.
ولكثرة ما تواتر عنهم في هذا المجال فإني سأكتفي بإيراد بعض الأمثلة التي تفي بالمراد، فمن ذلك:-
1 - قول أبي بكر الصديق ([21]) –رضي الله عنه-: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله r يعمل به، إلا عملت به فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ.
2 - قول عمر بن الخطاب ([22]) – رضي الله عنه – في تقبيله للحجر الأسود: إنك حجر لا تنفع ولا تضر؛ ولولا أني رأيت رسول الله r يقبلك ما قبلتك.
3 - قول علي ([23]) رضي الله عنه:- إلا إني لست بنبي، ولا يوحى إلي؛ ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه محمد r ما استطعت ([24]).
المسألة الثانية:- في منزلة السنة عند التابعين.
لقد ربى الصحابة رضي الله عنهم التابعين على حب السنة والعمل بها ظاهراً وباطناً سراً وعلانيةً ونشرها بين الناس ودعوتهم للعمل بها والتحذير من مخالفتها ومجانبتها فنقل عن التابعين من الآثار الدالة على ذلك كما نقل عن أساتذتهم رضي الله عنهم أجمعين. فمن ذلك:-
1 - قول قتادة بن دعامة (ت 117هـ) ([25]):- والله ما رغب أحد عن سنة نبيه r إلا هلك. فعليكم بالسنة وإياكم والبدعة.
2 - قول محمد بن مسلم الزهري (ت 124هـ) ([26]):- كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، والعلم يقبض سريعاً ([27]).
المسألة الثالثة:- في منزلة السنة عند أعلام الهدى ومصابيح الدجى، وفيها فقرتان: -
الفقرة الأولى:- في منزلة السنة عند الأئمة الأربعة على وجه الخصوص:-
لقد سار أعلام الهدى من علماء الأمة من بعد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم بإحسان على طريق سلفهم الصالح من الاحتجاج بالسنة وتقديرها وتوقيرها والرجوع إليها في كل صغيرٍ وكبيرٍ والتحذير عن مجانبتها أو مخالفتها أو تركها أو التقدم عليها وبين يديها، وقد أُثر عنهم كما أُثر عن سلفهم من الأقوال الدالة على ذلك - وهي كثيرة جداً - إلا أني سأقتصر على بعضها مبتدئياً بذكر أقوال الأئمة الأربعة؛ لإمامتهم، وشهرتهم، ومكانتهم عند عامة الأمة، ثم أذكر أقوال بعض العلماء من عصرهم ومن غيره - من غير استقراء- للدلالة على أن هذا الموقف هو موقف أهل العلم جيلاً بعد جيل.
فمما جاء عن الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى ما يأتي:-
أولاً:- أقوال الإمام أبي حنيفة (ت150هـ) رحمه الله في ذلك:-
1 - إذا صح الحديث فهو مذهبي ([28]).
2 - دخل عليه مرة رجل من أهل الكوفة، والحديث يقرأ عنده، فقال الرجل: دعونا من هذه الأحاديث. فزجره أبو حنيفة أشد الزجر، وقال له: لو لا السنة ما فهم أحد منا القرآن ([29]).
ثانياً:-أقوال الإمام مالك (ت 179هـ) رحمه الله في ذلك: -
ما من أحدٍ إلا و مأخوذ من كلامه ومردود عليه إلا رسول الله r ([30]).
ثالثاً:-أقوال الإمام الشافعي (ت 204هـ) رحمه الله تعالى في ذلك:-
1 - ليس في سنه الرسول الله r إلا اتباعها ([31]).
2 - كل حديث عن النبي r فهو قولي وإن لم تسمعوه مني ([32]).
رابعاً:-أقوال الإمام أحمد (ت 241هـ) رحمه الله في ذلك:-
من رد حديث رسول الله r فهو على شفا هلكة ([33]).
الفقرة الثانية:- في منزلة السنة عند سائر علماء الأمة:-
لقد سبق حكاية الإجماع على حجية السنة، وأن العلماء سلفاً وخلفاً متفقون على وجوب الاحتجاج بالسنة وتوقيرها واحترامها والذب عنها والاجتهاد في نشرها وتعليمها للعامة والخاصة، وأنها صنو القرآن في التشريع؛ لأنها وحي من عند الله سبحانه وتعالى، وفي هذه الفقرة سأذكر بعض النقول عن بعض الأئمة-لعدم إمكانية الحصر، ولأن المراد التمثيل - للدلالة على منزلة السنة ومكانتها عند سائر علماء الأمة فمن ذلك:-
قول الحسن بن علي البربهاري (ت 329هـ):- إذا سمعت الرجل يطعن على الآثار ولا يقبلها، أو ينكر شيئاً من أخبار رسول الله r فاتهمه على الإسلام، فإنه رديء المذهب و القول …. القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن ([34]).
المبحث الثالث: في إفادة خبر الواحد العلم
¥