ولا تخرج عن هذه الأقسام، فلا تعارض القرآن بوجهٍ ما، فما كان منها زائداً على القرآن فهو تشريعٌ مبتدأٌ من النبي r تجب طاعته فيه ولا تحل معصيته وليس هذا تقديماً لها على كتاب الله بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله، ولو كان رسول الله r لا يطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى وسقطت طاعته المختصة به، وإنه إذا لم تجب طاعته إلا فيما وافق القرآن لا فيما زاد عليه لم يكن له طاعة خاصة تختص به وقد قال الله تعالى:) من يطع الرسول فقد أطاع الله ((النساء 80).
وكيف يكمن أحداً من أهل العلم أن لا يقبل حديثاً زائداً على كتاب الله، فلا يقبل حديث تحريم المرأة على عمتها ولا على خالتها، ولا حديث التحريم بالرضاعة لكل ما يحرم من النسب، ولا حديث خيار الشرط، ولا أحاديث الشفعة، ولا حديث الرهن في الحضر، مع أنه زائد على ما في القرآن، ولا حديث ميراث الجدة، ولا حديث تخيير الأمة إذا أعتقت تحت زوجها، ولا حديث منع الحائض من الصوم والصلاة، ولا حديث وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان، ولا أحاديث إحداد المتوفي عنها زوجها مع زيادتها على ما في القرآن من العدة).
رابعاً:-هذه المرويات التي استدلوا بها معارضة بمرويات أخرى من جنسها، وأخرى صحيحة.
فأما التي من جنسها فما رواه الدارقطني في سننه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله r : ( سيأتيكم عني أحاديث مختلفة فما جاءكم موافقاً لكتاب الله ولسنتي فهو مني وما جاءكم مخالفاً لكتاب الله ولسنتي فليس مني) ([80]).
قال البيهقي ([81]): (تفرد به صالح بن موسى الطلحي وهو ضعيف لا يحتج بحديثه).
فهذا الحديث يأمر بعرض ما يرد علينا مما لا نطمئن إليه ولا نعلم أهو من شرع الله أم لا على كتاب الله وسنة رسوله r ، فتبين أن المراد من أحاديث العرض التي ذكرها المخالف: هو الرجوع إلى الكتاب والسنة لمعرفة مراد الله ومراد رسوله مما قد يشكل علينا لا أن المراد من ذلك ما ادعاه المخالف من عرض السنة الأحادية الصحيحة -والتي قد تكون نصاً صريحاً أو ظاهراً واضحاً – على كتاب الله فإن وافقته وإلا ردت.
وأما الروايات الصحيحة التي عارضت ما عليه تلك السقيمة فمنها:-
1 - حديث المقدام بن معدي كرب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله r : ( يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته يحدث بحديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله r مثل حرم الله) ([82]).
قال الترمذي ([83]): هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
وقال الألباني ([84]): صحيح.
2 - حديث أبي رافع قال: قال رسول الله r : ( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله أتبعناه) ([85]).
قال أبو عيسى ([86]): هذا حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم ([87]): صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وقال الألباني ([88]): صحيح.
3 - حديث العرباض بن سارية قال: قال رسول الله r : ( أيحسب امرؤ قد شبع حتى بَطِنَ وهو متكئ على أريكته لا يظن أن الله حرم شيئاً إلا ما في هذا القرآن ألا وإني والله حرمت وأمرت ووعظت بأشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر ألا وإنه لا يحل لكم من السباع كل ذي ناب ولا الحمر الأهلية) ([89]).
4 - قوله r :- ( إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض) ([90]).
الدليل الثالث ([91]):- (ولأن الكتاب متيقن به وفي اتصال الخبر الواحد برسول الله r شبهة، فعند تعذر الأخذ بهما لا بد من أن يؤخذ بالمتيقن ويترك ما فيه شبهة ... لأن المتن من الكتاب متيقن به ومتن الحديث لا ينفك عن شبهة، لاحتمال النقل بالمعنى، ثم قوام المعنى بالمتن فإنما يشتغل بالترجيح من حيث المتن أولاً إلى أن يجيء إلى المعنى ولا شك أن الكتاب يترجح باعتبار النقل المتواتر في المتن على خبر الواحد فكانت مخالفة الخبر للكتاب دليلاً ظاهراً على الزيافة فيه).
ويمكن الجواب عن هذا الدليل بما يأتي:-
1 - أما قولهم: (ولأن الكتاب متيقن به، وفي اتصال الخبر الواحد برسول الله r شبهة)
¥