تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الشق الأول منه مسلم به، وأما الشق الآخر وهو وجود الشبهة في اتصال الحديث برسول الله r وأنه قد يكون في الظاهر صحيحاً وفي نفس الأمر غير صحيح، فيقال:

أ-لقد تعبدنا الله في كثير من الأحكام بالأمور الظاهرة كالقضاء بشهادة الشهود مع احتمال أن يكونوا شهود زورٍ، والمفتي يفتي بحسب سؤال السائل لا ما يتعلق بدواخله وباطنه إلى غير ذلك.

ب-قد بيَّنا فيما سبق أن أخبار الآحاد الصحيحة قد قال العلماء السابقون من الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة الأربعة بقبولها في العقائد والعبادات وهي مفيدة للعلم عندهم فلا حاجة للإعادة.

ج-إن دعوى احتمال الشبهة في صحة اتصال أخبار الآحاد إلى رسول الله r هي كدعوى من يدعي أن هذا العام مخصوص ولا مخصص، أو أن هذا الدليل المطلق مقيد ولا مقيد، أو أن هذا الحكم منسوخ ولا وجود لناسخه ونحو ذلك، فما أسهل الدعاوى!!!

فكلام الأصوليين القائلين بهذا القول، والقائلين بظنية حجية أخبار الآحاد متجه إلى الفرض الذهني فهم يقولون: كل أخبار الآحاد تفيد الظن، لوجود احتمال انقطاعها بأي نوع من أنواع الانقطاع ككذب الراوي أو نسيانه أو خطئه في روايته ... الخ.

بخلاف أئمة الحديث والأثر فإن حكمهم متجه إلى كل حديث وإسناده على حده فكانت أحكامهم على الأحاديث وأسانيدها – بل أحياناً على الحديث وسنده - مختلفة فقالوا: هذا حديث صحيح لذاته، وهذا صحيح لغيره، وهذا حسن لذاته، وهذا حسن لغيره، وهذا ضعيف، وآخر موضوع، وهكذا … حسب عدالة الرواة وضبطهم واتصال السند وصحة السماع وغير ذلك مما هو معروف في علم مصطلح الحديث.

فليس كل حديث آحاد يفيد الظن، ولا كل حديث آحاد يفيد القطع بل فيه وفيه، فمن نسب إلى السلف القول بأحد الكُلِّيتين فقد أخطأ، إلا أنهم يقولون: إن خبر الواحد الصحيح يفيد العلم، والعلم هنا ليس هو العلم المراد عند المتكلمين من الأصوليين كما أن معنى الظن عند علماء السلف ليس هو بمعنى الظن عند الخلف، فلا العلم هو العلم ولا الظن هو الظن.

لأن ما ثبت بالدليل الشرعي فهو علم، وقد يكون العلم مقطوعاً به إذا كان الدليل المثبت له قطعي الدلالة، قطعي الثبوت، وقد يكون ظناً غالباً أو راجحاً إذا كان الدليل المثبت له دون ذلك. وهو قول العلماء السابقين من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والأئمة المرضيين.

وأما الخلف فالعلم عندهم مقصور على اليقين الثابت بالعقل - هذا هو الأصل -، وقد يثبتون اليقين بالدليل النقلي.

والظن في إطلاقهم هو: الشك أو التخمين أو الخرص أو الوهم – والظن بهذا المعنى لا يطلقه السلف على ما ثبت بالدليل العقلي أو النقلي – ويستدل الخلف على دعواهم تلك بالآيات التي نزلت منكرة على الكفار عبادتهم لآلهتهم الباطلة نحو قوله تعالى:) إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ((الأنعام 117).

وقوله:) سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ((الأنعام 149).

وقوله:) إن الظن لا يغني من الحق شيئا ((يونس 36).

وقوله:) إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين ((الجاثية 31).

وقوله:) إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ((النجم 23).

فالظن المذكور في الآيات السابقات معناه: الشك أو الوهم أو الخرص أو التخمين.

وهذا هو الظن المذموم الذي لا يجوز لأحد العمل به في العقائد أو العبادات.

وأما الظن الذي عمل به السلف فهو المذكور في قوله تعالى:) إني ظننت أني ملاق حسابيه ((الحاقة 20) وقوله:) وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ((التوبة 119) وقوله تعالى:) فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله ((البقرة 230).

وقوله:) يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ((الحجرات 12).

وقوله:) وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك ((يوقف 42).

فالظن في هذه الآيات ونحوها المراد منه: العلم واليقين، أو الظن الراجح والغالب.

وهذا الظن يجب العمل به في العقائد والعبادات على حد سواء إذ هو علم والعلم يجب العمل به.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير