فما قبله هؤلاء فهو المقبول وما ردوه فهو المردود ([94]). لا سيما وقد قال رسول الله r في حديث عبادة بن الصامت في مبايعتهم الرسول r : بايعنا رسول الله صلى عليه وسلم على السمع والطاعة، في العسر واليسر …وعلى أن لا ننازع الأمر أهله ([95]) …الحديث.
فالقول بترك الحديث الذي قبلوه وأخذ ما تركوه هو من منازعة الأمر أهله.
و-يلزم هؤلاء على القول بهذه القاعدة المزعومة رد ما يسمونه عندهم مشهوراً لكونه آحاد الأصل، وقد يكون ضعيفاً أو موضوعاً، إذ لا يلزم من كونه مشهوراً أن يكون صحيحاً، فما يدعونه في قبول هذا هو بعينه ما سيدعيه الآخرون في قبولهم لخبر الواحد صحيح السند، فليس قول أولى من قول، بل القول الأخير أولى بالقبول وأحرى.
ز-قولهم: إن في اتصال الخبر الواحد برسول الله r شبهة.
يقال لهم: ليس البحث في أخبار الآحاد مطلقاً، ولا من حيث الناحية النظرية فهذا لا قيمة له.
وإنما البحث في إفادة الخبر الصحيح المسند المروي من طريق الآحاد والذي دُوِّن في دواوين أهل العلم كالصحيحين وسنن ابن ماجة وأبي داود والترمذي والنسائي وموطأ مالك ومسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم والسنن الكبرى للبيهقي ومصنف ابن أبي شيبة وعبدالرزاق ... الخ.
فما اتُفِقَ على صحته من قبل هؤلاء العلماء الأعلام –الذين سبق ذكرهم – ما حكمه؟ بمعنى، هل يقال بعد ذلك إن في اتصال الخبر الواحد برسول الله r شبهة؟!!. اللهم: لا، إلا من مكابر. وهذا مما ينزه عنه أهل العلم.
وهل يقال –أيضاً -: هي أخبار آحاد لا تفيد إلا الظن؟!! اللهم: لا؛ لأن في ذلك طعناً في الإجماع المتيقن من حفظ الله لدينه فلا يمكن أن تكون تلك الأحاديث التي تداولها العلماء –بعد فحصها ومحصها- بالحفظ والنقل والشرح والتدريس والوعظ والإرشاد معتقدين صحتها وصحة ما دلت عليه جيلاً بعد جيلٍ لا يمكن تكون غير صحيحة في نفس الأمر، هذا من المحال عقلاً وشرعاً. كما أن ما أجمع أولئك الجهابذة على تضعيفه لا يكون صحيحاً في نفس الأمر، أما ما اختلفوا في تصحيحه وتضعيفه فهذا مما يقال إنه في مجال الأخذ والرد والبحث والمناقشة وحينئذٍ لا تثريب على من عمل بما صح عنده أولم يعمل به لعدم صحته عنده، وهذا كنظير اختلاف الصحابة على قولين، فإنه لا يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث. بل لا يتصور ها هنا إلا أحد قولين الصحة أو عدمها.
قال شيخ الإسلام ([96]): (فإن العصمة ثبتت بالنسبة الإجماعية، كما أن خبر التواتر يجوز الخطأ والكذب على واحدٍ واحد من المخبرين بمفرده ولا يجوز على المجموع، والأمة معصومة من الخطأ في روايتها ورأيها ورؤياها ... ).
فإن قالوا: نحن من الأمة وقد خالفنا في حجية خبر الواحد أو صحته.
قلنا: أنتم مسبوقون بإجماع الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة المرضيين على الاحتجاج بما كان هذا سبيله.
لذا وجب التنبيه على أن طرح قضية حجية خبر الواحد ينبغي أن تكون في هذا الإطار، أعني أخبار الآحاد الصحيحة المنقولة في دواوين أئمة الإسلام، أما تعميمها في كل خبر وفي كل وقت ففيه تعمية للحق ومدعاة لاعتقاد الباطل وخروج عن نطاق البحث العلمي الصحيح.
ح-وإما قولهم: (فعند تعذر الأخذ بهما لا بد من أن يؤخذ بالمتيقن ويترك ما فيه شبهة).
فالجواب:لقد بُيِّن أن خبر الواحد الذي صح سنده وعمل به وتلقي بالقبول من قبل علماء الحديث والأثر أنه متيقن وليس فيه شبهة أبداً.
وأما قولهم: إن تعذر الأخذ بهما. فهذه دعوى مجردة عن الدليل، وقد سبق –أيضاً – ذكر البيان الساطع في أنه لا تعارض البتة بين الأدلة الشرعية إلا في حالة النسخ، والعمل بالناسخ هو المتعين.
ط- وأما قولهم: (لأن المتن من الكتاب متيقن به ومتن الحديث لا ينفك عن شبهة، لاحتمال النقل بالمعنى، ثم قوام المعنى بالمتن فإنما يشتغل بالترجيح من حيث المتن أولاً إلى أن يجيء إلى المعنى ولا شك أن الكتاب يترجح باعتبار النقل المتواتر في المتن على خبر الواحد فكانت مخالفة الخبر للكتاب دليلاً ظاهراً على الزيافة فيه).
¥