وكل هذه الأحاديث في صحيح مسلم ([169]).
وورد فيه من حديث ابن عباس ([170]): أن رسول الله r أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ.
وورد من حديث ميمونة ([171]): أن النبي r أكل عندها كتفاً ثم صلى ولم يتوضأ.
و عن جابر بن عبد الله قال ([172]): آخر الأمرين من رسول الله r ترك الوضوء مما مست النار.
قال الحافظ ابن حجر ([173]): (قال النووي: كان الخلاف فيه معروفاً بين الصحابة والتابعين، ثم استقر الإجماع على أنه لا وضوء مما مست النار إلا ما تقدم استثناؤه من لحوم الإبل.
وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب).
قال ابن عبدالبر ([174]): (وقوله r توضئوا مما مست النار أمر منه بالوضوء المعهود للصلاة لمن أكل طعاماً مسته النار، وذلك عند أكثر العلماء، وعند جماعة أئمة الفقهاء منسوخ بأكله r طعاماً مسته النار وصلاته بعد ذلك دون أن يحدث وضوءاً.
فاستدل العلماء بذلك على أن أمره بالوضوء مما مست النار منسوخ.
وأشكل ذلك على طائفة كثيرة من أهل العلم بالمدينة والبصرة ولم يقفوا على الناسخ في ذلك من المنسوخ أو لم يعرفوا منه غير الوجه الواحد فكانوا يوجبون الوضوء مما مست النار و يتوضأون من ذلك، وممن روى عنه ذلك زيد بن ثابت وابن عمرو، وأبو موسى وأبو هريرة وعائشة وأم حبيبة أما المؤمنين، واختلف فيه عن أبي طلحة الأنصاري وعن ابن عمر وأنس بن مالك وبه قال خارجة بن زيد بن ثابت وأبو بكر بن عبد الرحمن وابنه عبد الملك ومحمد ابن المنكدر وعمر بن عبد العزيز وابن شهاب الزهري فهؤلاء كلهم مدنيون، وقال به من أهل العراق أبو قلابة وأبو مخلد والحسن البصري ويحيى بن يعمر وهؤلاء كلهم بصريون.
وكان ابن شهاب رحمه الله قد عرف الوجهين جميعاً في ذلك وروى الحديثين المتعارضين في هذا الباب وكان يذهب إلى أن قوله r توضأوا مما غيرت النار ناسخ لفعله المذكور في حديث ابن عباس هذا ومثله وهذا مما غلط فيه الزهري مع سعة علمه وقد ناظره أصحابه في ذلك فقالوا كيف يذهب الناسخ على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وهم الخلفاء الراشدون فأجابهم بأن قال: أعيى الفقهاء أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله r من منسوخه).
قلت: مما سبق ذكره من بعض الأحاديث والآثار في المسألة وأقوال العلماء اتضح أنها معدودة من باب تعارض الأدلة من الأحاديث والآثار المروية فيها فمن رجح أحد الطرفين قال به ومن جمع قال بما توصل إليه في نظره ولم يذكر أحد من العلماء الذين ذُكِروا أنه ترك حديث توضأوا مما مست النار لكونه حديثاً روي فيما تعم به البلوى فلا يعمل به.
3 - تغسيل الجنازة وحملها:
لم يعمل القائلون بهذه القاعدة بخبر الوضوء والغسل من حمل الجنازة أو تغسيلها، لكون الخبر المروي في المسألة خبر آحاد فيما يعم به البلوى فلا يقبل.
قلت: الحديث المشار إليه هو حديث رواه المغيرة ([175]) وحذيقة ([176]) وأبو هريرة ([177]) وابن عباس ([178]) قالوا: قال رسول الله r : ( من غسل ميتاً فليغتسل).
وزاد أبو هريرة ([179]) في حديثه: (ومن حمله فليتوضأ).
وفي لفظ ([180]): (من حمل جنازةً فليتوضأ).
وفي لفظ ([181]): (ِمنْ غُسْلِه الغُسْلُ، ومِنْ حَمْلِه الوضوء).
وقد اختلف العلماء في تصحيحه، فقال الترمذي ([182]): (حديث حسن، وقد روي عن أبي هريرة موقوفاً).
وقال الإمام أحمد وعلي بن المديني ([183]): لا يصح في هذا الباب شيء.
وقال محمد بن يحيى ([184]): لا أعلم من غسل ميتاً فليغتسل حديثاً ثابتاً ولو ثبت لزمنا استعماله.
قال ابن حجر ([185]): (وذكر البيهقي له طرقاً وضعفها،ثم قال: والصحيح أنه موقوف.
وقال البخاري: الأشبه موقوف.
وقد حسنه الترمذي وصححه ابن حبان، وله طريق أخرى من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رفعه: مَنْ غَسَّل مَيْتَاً فليغتسل. ذكره الدارقطني وقال: فيه نظر. قال الحافظ: رواته موثقون) انتهى كلامه باختصار.
وقد جاء ما يعارض الأحاديث السابقة مثل قوله عليه السلام فيما رواه الحاكم ([186]) عن ابن عباس قال: قال رسول الله r : ( ليس عليكم في غُسْلِ ميتكم غُسْلٌ إذا غسلتموه فإن ميتكم ليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم)
قال الحاكم ([187]): (هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
¥